كيف تصنع ايديولوجيتك

ايديولجيتك = مبدأك = افكارك = شخصيتك = مستقبلك

ابحث عن المعنى الغائب هنـــــــــا

الخميس، 26 أغسطس 2010

من هم اللبيراليون العرب الجدد،، وما هو خطابهم؟؟؟


ظهر التيار الليبرالي العربي أو التيار العقلاني التنويري في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على أيدي جيلين من المفكرين التنويريين. فكان الجيل الأول يمثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي وشبلي شميّل وفرح أنطون وغيرهم. وظهر الجيل الثاني في بداية القرن العشرين وكان يمثل طه حسين وقاسم أمين ومحمد حسن الزيات وتوفيق الحكيم ومحمد حسين هيكل وغيرهم. وهؤلاء جميعاً اشتركوا في تيار فكري وسياسي واحد كان ينادي بالمباديء التالية:

- حرية الفكر المطلقة.

- حرية التدين المطلقة.

- حرية المرأة ومساواتها بالحقوق والواجبات مع الرجل.

- التعددية السياسية.

- المطالبة بالإصلاح الديني.

- المطالبة بالإصلاح التعليمي والسياسي.

- فصل الدين عن الدولة. وكان هذا المطلب خاصاً بالجيل الثاني لليبراليين العرب في مطلع القرن العشرين.

- اخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي.

- تطبيق الاستحقاقات الديمقراطية.

-2-

وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر تيار تنويري ليبرالي قادته مجموعات كبيرة من النخب الثقافية في العالم العربي استعرضنا فكرها في كتابنا (الفكر العربي في القرن العشرين 1950- 2000) في أجزائه الثلاثة التي صدرت في 2001 . وكانت هذه النخب تتبنى خطاب التنويريين العرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتضيف عليه المبادئ التالية:

- محاربة المجتمعات الديكتاتورية العسكرية والقبلية والحزبية المتسلطة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين بعد الاستقلال، وأحدثت ما نُطلق علية "كوارث الاستقلال".

- المناداة باقامة المجتمع المدني.

- احياء دعوة الاصلاح الديني من جديد.

- التأكيد على العلمانية، وفصل الدين عن الدولة.

وفي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وبعد 11 سبتمبر 2001 على وجه الخصوص، الذي يعتبر فاصلاً تاريخياً عربياً كما هو من الفواصل التاريخية الأمريكية أيضاً كما بيّنا في الجزء الأول من هذا المقال، ظهر جيل جديد من الليبراليين أطلق عليهم الإعلام العربي "الليبراليون الجدد". وهؤلاء نادوا بعصر تنوير جديد، وهو مقدمة لفلسفة المستقبل، وتبنوا أفكار التنويريين الذين جاءوا في القرن التاسع عشر، والذين جاءوا في بداية القرن العشرين، وكذلك أفكار الليبراليين الذين جاءوا في النصف الثاني من القرن العشرين، وأضافوا إليها المبادئ التالية من خلال مواقفهم ومن خلال ما يكتبون، والتي تعتبر بمثابة مسودة أولى لمانيفستو الليبراليين الجدد:

1- المطالبة باصرار بالإصلاح التعليمي الديني الظلامي، في ظل سيادة الارهاب الديني، بعد أن تم خطف الإسلام وتزويره، وأدلجته أدلجة دموية مسلحة.

2- الدعوة إلى محاربة الارهاب الديني والقومي السياسي والدموي المسلح بكافة أشكاله.

3- تأكيد اخضاع المقدس والتراث والتشريع والقيم الأخلاقية للنقد العميق، وتطبيق النقد العلمي العقلاني بموجب مبدأ الجينيالوجياGenelogy الذي يتلخص بالسؤال التأويلي (من؟) وبالسؤال التقويمي (لماذا؟)، وبحيث يكون النقد تأويلاً وتقويماً لا مجرد سخرية وسباب، باعتبار أن الجينيالوجيا هي أداة وعي الحداثة، حيث يصبح النقد الحقيقي سبيلاً إلى الرشد الحقيقي.

4- اعتبار موقف الدين العدائي من الآخرين موقفاً جاء بناء على ظروف سياسية واجتماعية معينة قبل خمسة عشر قرناً، ولم تعد هذه الظروف قائمة الآن، وانما تغيرت تغيراً كلياً، ولذا، يجب عدم الاستعانة مطلقاً بالمواقف الدينية التي جاءت في الكتاب المقدس تجاه الآخرين قبل خمسة عشر قرناً لمهاجمة الآخرين الآن وسفك دمائهم. فالمصالح متغيرة، والمواقف متغيرة. والتغير هو سُنّة الحياة.

5- اعتبار الأحكام الشرعية أحكاماً وضعت لزمانها ومكانها، وليست أحكاماً عابرة للتاريخ كما يدعي رجال الدين، ومثالها الأكبر حجاب المرأة، وميراث المرأة، وشهادة المرأة.. الخ.

6- إن الفكر الديني وهو الفكر الذي جاء به علماء الدين وفقهاؤه ورجاله وليس الدين الرسولي نفسه، يقف حجر عثرة أمام الفكر الحر وتطوره، كما يقف حجر عثرة أمام ميلاد الفكر العلمي.

7- لا ولاء مطلقاً للماضي المحكوم بماضيه فقط، ولا انغلاق عليه. وفهم الحاضر يدفعنا إلى إعادة النظر في قيم الماضي، وضرورة خلق المستقبل الذي هو لبّ الحداثة.

8- لا يمكن انتاج الحاضر بتاريخ الماضي، وانما بتاريخ الحاضر، والمستقبل كذلك. وشرط تخطي الماضي قائم في الحاضر، وليس في الماضي. وخاصة ماضينا وتراثنا الثقافي الذي أقام مجزرة معرفية لنفسة بنفسه، وعادى الفلسفة بقيادة ابن تيمية والسيوطي وابن القيم الجوزية وغيرهم، وطرد العقل، واضطهد المعتزلة، وأغلق باب الاجتهاد، وحرّم علم الكلام، ونفى أصحاب المنطق، ووضع النصوص الدينية المزوّرة التي تحارب الفلسفة والحكمة وإعمال العقل (من تمنطق فقد تزندق)، وألغى العلوم الطبيعة والطب واعتبرها "علوماً دخيلة"، واستبدل بها العلوم الدينية والطب النبوي حتى أصبح النبي أشهر وأحذق من أبي الطب أبوقراط، وحرّم الموسيقا والغناء والنحت والرسم والشعر، وكافة أشكال الفنون الإنسانية الرفيعة. فكيف يمكن الاستعانة بهذا الماضي للعبور من الحاضر إلى المستقبل؟

9- إن ضعفنا، وهزالنا، وقلة معرفتنا، وعجزنا العلمي والعقلاني هو الذي يؤدي بنا إلى الاتجاه إما إلى الماضي للاستعانة به لبناء الحاضر، وهو أسوأ الخيارات، حيث لا يملك الماضي إلا ماضيه فقط الذي انتهت صلاحيته في وقت مضى، ولم يعد صالحاً للحاضر، وإما اللجوء إلى الخارج لبناء الحاضر، فهو أقل الخيارات سوءاً .

10- على العرب أن يتخلوا عن المثل الأعلى الموهوم الذي يتقمصوه تخيلاًً، ومكابرة، واستعلاء، وانتفاخاً كانتفاخ الطواويس (لنا الصدر دون العالمين أو القبر).

11- الاقرار بأن التاريخ محكوم بالقوانين وليس بهوى الشعوب ولا بخيالها ولا بتعلقها بماضيها. ولا شعب يقدر على تشكيل التاريخ حسب رغبته بالعودة إلى الوراء، واستعادة أمجاد سالفة ومدنية وحضارة سابقة. وأن الكمال البشري كما قال قاسم أمين ليس موجوداً في الماضي.

12- الايمان بأن اغتراب العقل لا يحقق غير سيادة الهمجية والغوغائية والمجتمع الدموي.

13- طرح أسئلة على كافة المستويات لم يسبق طرحها في الماضي من قبل تنويريي القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، بدءاً من الأفغاني وانتهاءً بطه حسين، وكسر جوزة المسكوت عنه,

14- تبني الحداثة العربية تبنياً كاملاً باعتبارها هي التي تقود إلى الحرية. والتفريق بين الحداثة الغربية والحداثة العربية. فلكل أمة حداثتها الخاصة بها.

15- تحرير النفس العربية من أوهامها، ومن السحر والتعاويذ والشعوذة التي تحيط بها.

16- تحرير النفس العربية من ماضيها، ومن حكم الأسلاف الذين ما زالوا يحكموننا من قبورهم.

17- عدم ادّعاء المعرفة المطلقة والأحكام النهائية. وأن لا وجود لعلم مطلق، وضرورة أن نظل منفتحين على الحقيقة.

18- خلق شخصية عربية جديدة متحولة من العنف والذل واللاعقلانية والدروشة والقبلية والعرقية إلى شخصية عقلانية واقعية علمية وطنية لا عرقية.

19- العودة إلى الذات ونقدها، والعودة إلى الوعي بالذات لا كأفراد ولكن كأمة. ولا يكفي أن نهزم الأساطير، ولكن علينا ملاحقة ظلالها في الكهوف والمغارات أيضاً.

20- عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الديكتاتورية العاتية واستئصال جرثومة الاستبداد وتطبيق الديمقراطية العربية، في ظل عجز النخب الداخلية والأحزاب الهشة عن دحر تلك الديكتاتورية وتطبيق تلك الديمقراطية. وهذه ليست سوابق تاريخية فقد استعانت أوروبا بأمريكا لدحر النازية والفاشية العسكرتاريا اليابانية في الحرب العالمية الثانية، وقامت أمريكا بتحرير أوروبا، كما قامت بتحرير الكويت والعراق.

21- لا حرج من أن يأتي الإصلاح من الخارج، ولكن بالطرق الديبلوماسية، والمهم أن يأتي سواء أتى على ظهر جمل عربي، أو على ظهر دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية أو غواصة فرنسية. وقد سبق للفيلسوف العربي القديم (الكندي) أن قال بأن "علينا أن نأخذ الحقيقة من أي كان سواء كان مشاركاً لنا في الملّة أو لا".

22- الايمان بأن لا حلَّ للصراع العربي مع الآخرين سواء في فلسطين أو خارجها إلا بالحوار والمفاوضات والحل السلمي في ظل عدم تكافؤ موازين القوى العسكرية والعلمية والاقتصادية والعقلية بين العرب وأعدائهم.

23- الايمان بالتطبيع السياسي والثقافي مع الأعداء، والاعتراف بالواقعية السياسية وما يجرى على أرض الواقع العربي السياسي، وعدم دفن الرؤوس في رمال الصحاري العربية المحرقة والمهلكة. وأن التطبيع والتلاقح بين الشعوب والثقافات هو الطريق إلى السلام الدائم في الشرق الأوسط. وأن اتفاقيات السلام كاتفاقية كامب ديفيد 1979 ، واتفاقية اوسلو 1993 ، واتفاقية وادي عربة 1994 يجب أن تصبح اتفاقيات شعبية بين الشعوب، بدلاً من أن تكون اتفاقيات دول فقط، ولا علاقة للشعوب بها. فذلك ضياع للوقت وللمصالح وتزوير للحقائق السياسية القائمة على أرض الواقع سواء رفضنا أم قبلنا. وأن نفور الانتلجنسيا العربية الممزقة من جهة والرثة من جهة أخرى من التطبيع، لن يلغي احتمالات السلام الحتمية في المنطقة، والذي هو السبيل التي التغيير الشامل.

24- الوقوف إلى جانب العولمة وتأييدها، باعتبارها أحد الطرق الموصلة إلى الحداثة الاقتصادية العربية التي يمكن أن تقود إلى الحداثة السياسية والثقافية.

25- المطالبة بمساواة المرأة مع الرجل مساواة تامة في الحقوق والواجبات والعمل والتعليم والإرث والشهادة. وتبنّي مجلة الأحوال الشخصية التونسية التي صدرت 1957 والتي تعتبر النموذج العربي الأمثل لتحرير المرأة العربية، دون الحاجة إلى تبني قيم الغرب في تحرير المرأة، ومساواتها بالرجل.

-3-

وبعد هذا الخطاب (المانيفستو) الذي نكشف عنه لأول مرة بهذه الصياغة الأولية لليبراليين العرب الجدد، ما هي العلاقة بينهم وبين المحافظين الجدد في أمريكا والتي يحاول الإعلام العربي وبعض المثقفين، ربط هذين الفريقين ببعضهما اساءة إلى كليهما، والحطّ من قدر كليهما، والاستخفاف بهما؟

وانطلاقاً من هذا الربط المزوّر بين المحافظين الأمريكيين الجدد وبين الليبراليين العرب الجدد، يطلق الإعلام العربي على الليبراليين الجدد ألقاباً وصفات دونية منها:

- إنهم يقومون بدور مقاولي الأنفار لإصدار صحف واذاعات تروّج للهيمنة الأمريكية، كما يقول موقع الإخوان المسلمين على الانترنت.

- إنهم كتاب المارينز، كما يصفهم الكاتب "السلفي الجديد" رشاد أبو شاور وغيره من السلفيين الجدد المقنعين بقناع الليبرالية الكاذبة.

- إنهم الليبراليون المتأمركون، كما يصفهم اسامة عبد الرحمن.

- إنهم من فاقدي الرؤيا السياسية المنافقين، كما يصفهم سيّد نصار.

- إنهم كتاب الطابور الخامس كما يصفهم كتاب حزب البعث.

والحقيقة أن لا علاقة سياسية ولا فكرية بين المحافظين الجدد في أمريكا وبين الليبراليين الجدد في العالم العربي فيما عدا نقاط ثلاث فقط، يلتقي فيها الليبراليون الجدد مع المحافظين الجدد، وهي:

- تحدي أمريكا لنظم الحكم الديكتاتورية.

- تعزيز ودعم الإصلاح السياسي وحرية السوق في العالم.

- أن قيم الحرية والديمقراطية وحرية السوق ليست حصراً ووقفاً على شعب دون الآخر.

وما عدا ذلك فكلا التيارين مختلفين. فالتيار الأول من المحافظين الجدد حكام وصُنّاع قرار، أما التيار الثاني من الليبراليين الجدد فهم مجموعة من المثقفين غير المنظمين، وغير المنخرطين في أي تنظيم سياسي أو ثقافي، ولا رابطة مادية لهم، ولا زعيم ولا قائد ولا شيخ ولا أمير لهم، ولا يملكون القرار السياسي. اضافة لذلك، فإن الليبراليين الجدد يخالفون المحافظين الجدد في الأفكار التالية:

- يخالف الليبراليون الجدد المحافظين الرافضين للحداثة. فالليبراليون الجدد يرحبون بالحداثة، ويعتبروا الحداثة المفتاح الحقيقي للتقدم، ودحر التخلف.

- يرفض الليبراليون الجدد دعوة المحافظين الجدد في استخدام الدين للسيطرة على الجموع.

- يرى الليبراليون الجدد، عكس المحافظين الجدد، أن الوسائل الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية هي أنجع من القوة العسكرية في وقف العدائية والديكتاورية لدى البشرية. ومثال ذلك سقوط الاتحاد السوفياتي 1989، وانهيار جدار برلين، رمزي الديكتاتورية في الحرب الباردة، دون إراقة نقطة دم واحدة، أو إطلاق رصاصة واحدة.

- يرى الليبراليون الجدد، عكس المحافظين الجدد، أن الحرب الدائمة لا تولد الاستقرار.

- يرى الليبراليون الجدد أن السلام هو الحل المنشود، بينما يشكك المحافظون الجدد في عملية السلام.

- يؤيد الليبراليون الجدد بناء الدول التي تهدمها الصراعات السياسية بينما يعارض ذلك المحافظون الجدد.

- يؤمن المحافظون الجدد بالإرادة الأمريكية الخيرة المطلقة، بينما يرى الليبراليون الجدد أن الخير في ذلك يجب أن يقترن بالعدالة في المواقف السياسية والدعم المادي والعلمي المتوازن للأطراف المتصارعة

الخميس، 19 أغسطس 2010

تاكتيك نضال البروليتاريا الثوري


تاكتيك نضال البروليتاريا الثوري





لما كان ماركس قد ابصر جلياً منذ 1844-1845 احدى النواقص الاساسية في المادية القديمة، وهي ان المادية القديمة لم تعرف كيف تفهم شروط النشاط العملي الثوري ولا ان تقدر اهميته، فانه الى جانب اعماله النظرية قد اعار طوال حياته انتباهاً دائباً لمسائل تاكتيك نضال البروليتاريا الطبقي. ومن هذه الناحية تقدم جميع مؤلفات ماركس مراجع غنية، ولا سيما مراسلاته مع انجلس المنشورة عام 1913 في اربع مجلدات. ان هذه المراجع ما تزال بعيدة عن ان تكون كلها مجموعة ومصنفة ومدروسة ومعمقة. ولهذا يترتب علينا ان نكتفي هنا باعم الملاحظات واوجزها، مع الاشارة الى ان ماركس كان يعتبر بحق ان المادية اذا جردت من هذا الجانب كانت غير كاملة ووحيدة الجانب وعديمة الحيوية. لقد كان ماركس يحدد المهمة الاساسية لتاكتيك البروليتاريا بالتوافق الدقيق مع جميع مقدمات مفهومه المادي-الديالكتيكي. ان حسبان الحساب بشكل موضوعي لمجموع العلاقات بين جميع الطبقات في مجتمع معين دون استثناء، وبالتالي حسبان الحساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع وللعلاقات بينه وبين سائر المجتمعات، يمكن له وحده ان يكون اساساً لتكتيك صحيح للطبقة المتقدمة. وعليه ينظر الى جميع الطبقات وجميع البلدان لا من حيث مظهرها الثابت بل من حيث مظهرها المتحرك، اي لا في حالة الجمود بل في حالة الحركة (الحركة التي تنبثق قوانينها من الشروط الاقتصادية لمعيشة كل طبقة). والحركة بدورها ينظر اليها لا من وجهة نظر الماضي و حسب بل من وجهة نظر المستقبل ايضاً. وفضلاً عن ذلك ينظر اليها لا وفقاً للمفهوم المبتذل "للتطوريين" الذين لا يلاحظون سوى التحولات البطيئة بل وفقاً للديالكتيك. فقد كتب ماركس الى انجلس يقول: "في التطورات التاريخية الكبرى ليست عشرون سنة اكثر من يوم واحد مع انه قد تأتي فيما بعد ايام تضم في احشائها عشرين سنة" ("المراسلات"، المجلد الثالث، صفحة 167). وفي كل درجة من التطور، وفي كل لحظة يجب على تاكتيك البروليتاريا ان يأخذ بعين الاعتبار هذا الديالكتيك الحتمي موضوعياً لتاريخ الانسانية: وذلك من جهة باستخدام مراحل الركود السياسي اي مراحل التطور "الهادئ" ـ كما يزعم ـ الذي يتقدم بخطى السلحفاة من اجل تطوير الوعي و القوى و القدرة النضالية لدى الطبقة المتقدمة، ومن جهة اخرى بالاتجاه في كل هذا العمل نحو "الهدف النهائي" لحركة هذه الطبقة بجعلها قادرة على ان تحل عملياً المهمات الكبرى للايام العظيمة "التي تضم في احشائها عشرين سنة". ثمة بحثان لماركس بهذا الصدد يرتديان اهمية خاصة. الاول في كتابه "بؤس الفلسفة" ويتعلق بنضال البروليتاريا الاقتصادي وبمنظماتها الاقتصادية، وآلاخر في "البيان الشيوعي" ويتعلق بمهمات البروليتاريا السياسية. اما الاول فقد ورد كما يلي: "ان الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهوراً من الناس لا يعرف بعضهم بعضاً. والمزاحمة تفرق مصالحهم. ولكن وقاية الاجرة، هذه المصلحة المشتركة بينهم ضد سيدهم، تجمعهم في فكرة واحدة فكرة المقاومة والتحالف...ان التحالفات تبدأ منعزلة ثم تتألف في جماعات، وبوجه الرأسمال المتجمع على الدوام، يغدو حفاظ العمال على اتحاداتهم اهم بنظرهم من وقاية الاجرة... وفي هذا النضال ـ هذه الحرب الاهلية الحقيقة ـ تتجمع و تتطور جميع العناصر الضرورية لمعركة مقبلة. وعند بلوغ هذه النقطة يأخذ التحالف طابعاً سياسياً". ان لدينا هنا برنامج وتاكتيك النضال الاقتصادي والحركة النقابية لبضع عشرات السنين، لكل المرحلة الطويلة من تحضير قوى البروليتاريا "لمعركة مقبلة". وتجدر المقارنة بين ذلك وبين اشارات ماركس وانجلس العديدة المبنية على تجربة الحركة العمالية الانجليزية، والتي تبين كيف ان "الازدهار" الصناعي يستثير محاولات "لشراء العمال" ("المراسلات، المجلد الاول، صفحة 136)، وصرفهم عن النضال، وكيف ان هذا الازدهار "يفسد معنويات العمال" بوجه عام (المجلد الثاني صفحة 218) وكيف ان البروليتاريا الانجليزية "تتبرجز"، وكيف ان "الامة الاكثر برجوازية بين الامم" (الامة الانجليزية) "تبدو كأنها تريد اخيراً ان يكون لديها، الى جانب البرجوازية، ارستقراطية برجوازية و بروليتاريا برجوازية" (المجلد الثاني، صفحة 290)، وكيف ان "الطاقة الثورية تتلاشى وتزول لدى البروليتاريا الانجليزية" (المجلد الثالث صفحة 124)، وكيف ينبغي الانتظار زمناً قد يطول الى هذا الحد او ذاك "لكي يتخلص العمال الانجليز مما يبدو عليهم من الفساد البرجوازي" (المجلد الثالث صفحة 127)، وكيف ان "حمية الشارتيين"([31]) مفقودة في الحركة العمالية الانجليزية (1866، المجلد الثالث، صفحة 305)، وكيف ان الزعماء العماليين الانجليز يشكلون نموذجاً وسطياً "بين البرجوازيين الراديكاليين والعمال" (تلميح الى هوليوك المجلد الرابع صفحة 209)، وكيف "ان العامل الانجليزي لن يتحرك" بسبب احتكار انجلترا ما دام هذا الاحتكار قائماً (المجلد الرابع، صفحة 433). ان تاكتيك النضال الاقتصادي بالارتباط مع السير العام (ومع النتيجة العامة) للحركة العمالية مدروس هنا من وجهة نظر واسعة شاملة ديالكتيكية على نحو رائع وثورية حقاً.

اما"البيان الشيوعي" فقد صاغ لتاكتيك النضال السياسي المبدأ الأساسي التالي للماركسية: "انهم (اي الشيوعيين) يكافحون في سبيل مصالح الطبقة العاملة واهدافها المباشرة، ولكنهم يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة". ومن اجل هذا ساند ماركس في 1848 حزب "الثورة الزراعية" في بولونيا (اي الحزب الذي اثار انتفاضة كراكوفيا في 1846)([32]). وفي 1848ـ 1849 ساند ماركس في المانيا الديمقراطية الثورية المتطرفة ولم يتراجع قط عما قاله حينذاك عن التاكتيك. وكان يعتبر البرجوازية الالمانية بمثابة عنصر "كان يجنح منذ البداية الى خيانة الشعب" (فقط التحالف مع جماهير الفلاحين كان بوسعه ان يتيح للبرجوازية بلوغ اغراضها كاملة) "والى اجراء مساومة مع الممثلين المتوجين للمجتمع القديم". و فيما يلي التحليل النهائي الذي اعطاه ماركس عن وضع البرجوازية الالمانية الطبقي في مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية، مع العلم ان هذا التحليل هو نموذج للمادية التي تنظر الى المجتمع من حيث حركته وليس فقط من جانب الحركة المتجه نحو الماضي..."عادمة الايمان بنفسها (اي البرجوازية الالمانية ـ المعرب) عادمة الايمان بالشعب، متذمرة من الكبار، مرتجفة امام الصغار... خائفة من الاعصار العالمي...فاقدة العزيمة في اي مكان منتحلة في كل مكان... دون مبادرة... كعجوز تنيخ عليه اللعنة محكوم عليه بحكم مصالح شيخوخته بقيادة الاندفاعات الفتية الاولى لشعب فتي قوي" ("الجريدة الرينانية الجديدة"، 1848. انظر"التركة الادبية"، المجلد الثالث، صفحة 212). وبعد زهاء عشرين سنة كتب ماركس في رسالة الى انجلس (المجلد الثالث صفحة 224) ان فشل ثورة 1848 سببه ان البرجوازية كانت قد فضلت المسالمة مع العبودية على مجرد امكانية الكفاح في سبيل الحرية. وعندما اختتمت مرحلة ثورات 1848-1849، هب ماركس ضد كل محاولة للعب بالثورة (النضال ضد شابر وويليخ) مصراً على معرفة العمل في المرحلة الجديدة التي تهيء ثورات جديدة تحت ستار "سلم" ظاهري. ان تعليق ماركس التالي حول الوضع في المانيا في 1856 في مرحلة الرجعية الاشد اسوداداً يبين باية روح كان ماركس يرغب في ان يتم هذا العمل: "سيتوقف كل شيء في المانيا على امكانية دعم الثورة البروليتارية ،بطبعة ما، جديدة، لحرب الفلاحين" ("المراسلات" المجلد الثاني صفحة 108). وطالما لم تنته الثورة الديمقراطية (البرجوازية) في المانيا وجه ماركس كل انتباهه فيما يتعلق بتاكتيك البروليتاريا الاشتراكية الى تطوير طاقة الفلاحين الديمقراطية. وكان يعتبر ان موقف لاسال هو "موضوعياً خيانة للحركة العمالية في صالح بروسيا" (المجلد الثالث صفحة 210) و ذلك بالضبط لان لاسال يتسامح مع الملاكين العقاريين و التعصب القومي البروسي. وقد كتب انجلس في 1865 اثناء تبادل وجهات النظر مع ماركس بصدد مشروع بيان مشترك في الصحف يقول: "في بلد زراعي، من السفالة ان يصار باسم العمال الصناعيين الى تسديد الضربة الى البرجوازية فقط دون الاشارة الى استثمار العمال الزراعيين على الطريقة البطريركية (الابوية) و"تحت ضربات العصى" من جانب النبلاء الاقطاعيين" (المجلد الثالث، صفحة 217) 21. وفي الحقبة الممتدة من 1863 الى 1870 حينما كانت مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية في المانيا تشرف على نهايتها هذه المرحلة التي كانت تتنازع فيها طبقات المستثمرين في بروسيا والنمسا حول طرق انجاز هذه الثورة من فوق، لم يكتف ماركس بشجب لاسال لمداعباته مع بيسمارك انما كان يصلح ايضاً ليبكنخت الذي وقع في "حب النمسا"، واخذ يدافع عن الخصائص المحلية 22. وكان ماركس يلح على انتهاج تاكتيك ثوري يكافح بلا هوادة سواء بيسمارك ام محبي النمسا، تاكتيك لا يتكيف "للمنتصر"ـ اليونكر 23 البروسي ـ بل يحدد النضال الثوري ضده فوراً، وبالضبط في الميدان الناجم عن انتصارات بروسيا العسكرية ("المراسلات"، المجلد الثالث، ص ص 134، 136، 147، 179، 204، 210، 215، 318، 437، 440 – 441) 24. وفي رسالة الاممية الشهيرة الصادرة في 9 ايلولـ سبتمبر 1870، حذر ماركس البروليتاريا الفرنسية من انتفاضة قبل الاوان، ولكن عندما قامت هذه الانتفاضة مع ذلك (1871) حيا ماركس بحماسة المبادرة الثورية لدى الجماهير "التي تصعد لمهاجمة السماء" (رسالة ماركس الى كوغلمان). ان هزيمة الحركة الثورية في هذا الوضع مثلها في العديد من الاوضاع الاخرى قد كانت من وجهة نظر مادية ماركس الديالكتيكية شراً اهون بالنسبة الى مجمل سير النضال البروليتاري، و بالنسبة الى نتيجة هذا النضال من شر اخلاء الموقع للمحتل و الاستسلام دون قتال. ان مثل هذا الاستسلام كان من شأنه ان يثبط من معنويات البروليتاريا وان يقوض كفاحيتها. ان ماركس، مع تقديره التام لاستخدام وسائل النضال الشرعية في مراحل الركود السياسي وسيطرة الشرعية البرجوازية، قد شجب بشدة بالغة في 1877-1878 بعد سن القانون الاستثنائي ضد الاشتراكيين 25 "الجملة الثورية" لدى موست. وحمل بنفس الشدة، ان لم يكن اكثر، على الانتهازية التي كانت قد استولت موقتاً حينذاك على الحزب الاشتراكي ـ الديمقراطي الرسمي الذي لم يعرف كيف يعطي الدليل فوراً على الثبات و الصلابة و الروح الثورية وكيف يظهر،جواباً على القانون الاستثنائي، استعداده للانتقال الى النضال السري. ("المراسلات"، المجلد الرابع، ص ص 397، 303، 418، 422، 424. 26. راجع ايضا رسائل ماركس الى سورجي).

الاشتراكية من وجهه النظر الماركسيه


الاشتراكية





نرى مما تقدم ان ماركس يخلص الى ان المجتمع الرأسمالي سيتحول حتماً الى مجتمع اشتراكي. وهو يستخلص ذلك استخلاصاً تاماً وعلى وجه الحصر من القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث. ان جعل العمل اجتماعياً،ان هذه العملية التي تتقدم بسرعة متزايدة ابداً، وبالوف الاشكال، والتي ظهرت بوجه خاص خلال النصف القرن الذي انقضى على وفاة ماركس في توسع الصناعة الكبيرة والكارتيلات والسنديكات والتروستات الرأسمالية، وفي التطور الاسطوري لنسب رأس المال المالي وقوته، ذلك هو الاساس المادي الرئيسي لمجيء الاشتراكية الذي لا مناص منه. ان المحرك الفكري والمعنوي والعامل المادي لهذا التحول انما هو البروليتاريا التي تثقفها الرأسمالية نفسها. ان نضال البروليتاريا ضد البرجوازية، الذي يتخذ اشكالاً مختلفة ومحتوى يغتني باستمرار، يصبح حتماً نضالاً سياسياً يرمي الى استيلاء البروليتاريا على الحكم السياسي ("ديكتاتورية البروليتاريا"). ولابد لعملية جعل الانتاج اجتماعياً من ان تجعل وسائل الانتاج ملكية اجتماعية، وان تؤدي الى "انتزاع الملكية من مغتصبيها". ان التزايد الضخم في انتاجية العمل وانقاص يوم العمل واحلال العمل التعاوني المتقن محل بقايا الانتاج الصغير البدائي المبعثر وعلى انقاضه، تلك هي النتائج المباشرة لهذا التحول. ان الرأسمالية تقطع نهائياً الروابط التي تصل الزراعة بالصناعة ولكنها في الوقت نفسه تهيئ بتطورها الاكثر تقدماً العناصر الجديدة لهذا الترابط. وتهيئ اتحاد الصناعة بالزراعة على اساس تطبيق العلم تطبيقاً واعياً، وعلى اساس تنسيق العمل التعاوني وتوزيع جديد للسكان (وضع حد لعزلة الريف عن العالم وما يعانيه من تخلف وعزلة وتوحش، وكذلك لتكدس عدد ضخم من السكان في المدن الكبيرة على نحو غير طبيعي). ان الاشكال العليا للرأسمالية الحديثة تهيئ شكلاً جديداً للعائلة، وشروطاً جديدة للمراة ولتربية الاجيال الناشئة. فان عمل النساء والاولاد وانحلال العائلة البطريركية بسبب النظام الرأسمالي يأخذان حتماً في المجتمع الحديث اكثر الاشكال فظاعة واشدها تدميراً وتنفيراً. ومع ذلك "فالصناعة الكبيرة باعطائها النساء والاحداث والاولاد من الجنسين دوراً حاسماً في عملية الانتاج المنظمة اجتماعياً خارج النطاق العائلي تخلق اساساً اقتصادياً جديداً لشكل اعلى من اشكال العائلة والعلاقات بين الجنسين. ومن الخرق طبعاً ان يعتبر بمثابة شيء مطلق سواء الشكل الجرماني المسيحي للعائلة ام الاشكال القديمة الرومانية واليونانية والشرقية التي تؤلف من جهة اخرى سلسلة واحدة من التطورات التاريخية المتعاقبة. ومن البديهي ايضاً ان تركيب الهيئة العمالية المختلطة عن طريق اجتماع افراد من الجنسين ومن مختلف الاعمار ـ مع كونه في شكله الرسمي العفوي الفظ حيث العامل موجود من اجل عملية الانتاج وليس عملية الانتاج موجودة من اجل العامل يؤلف ينبوعاً موبوءاً للافساد والاستعباد ـ ان هذا التركيب يجب ان يتحول بالعكس في ظروف مؤاتية الى ينبوع للتطور الانساني" ("رأس المال" المجلد الاول نهاية الفصل الثالث عشر). ان نظام المصنع يبين لنا "بذور التربية في المستقبل، هذه التربية التي ستوحد العمل المنتج لجميع الاولاد فوق سن معينة مع التعليم والرياضة، و ذلك ليس فقط بمثابة طريقة تهدف الى زيادة الانتاج الاجتماعي بل بمثابة الطريقة الوحيدة الفريدة لانتاج رجال متطورين من كل النواحي" (المصدر نفسه). وعلى الاساس التاريخي نفسه تضع اشتراكية ماركس قضيتي القومية والدولة لا لتفسير الماضي وحسب بل لتحديد التنبؤات بجراة و للقيام بعمل مقدام في سبيل تحقيقها. ان الامم هي الانتاج والشكل الحتميان للمرحلة البرجوازية من التطور الاجتماعي. ان الطبقة العاملة لم تستطع ان تقوي نفسها وتنضج وتتطون الا "بتكوين نفسها ضمن الحدود القومية" دون ان تكون "قومية" ("وان لم يكن اطلاقا بالمعنى البرجوازي للكلمة"). والحال ان تطور الرأسمالية لا ينفك يحطم الحدود القومية ويهدم العزلة القومية. يحل التناحرات الطبقية محل التناحرات القومية. ولهذا يكون من الصحيح تماماً "ان ليس للعمال وطن" في البلدان الرأسمالية المتطورة. وان "توحيد جهود" العمال في البلدان المتمدنة على الاقل "هو احد الشروط الاولية لتحرر البروليتاريا" ("البيان الشيوعي"). اما الدولة، هذا العنف المنظم، فقد ظهرت ظهوراً حتمياً عند درجة معينة من تطور المجتمع، حينما اصبح المجتمع منقسماً الى طبقات، لا يمكن التوفيق بينها ولم يعد في طوقه ان يعيش بدون "سلطة" موضوعة كما يزعم فوق المجتمع ومفصولة عنه الى حد ما. و هذه الدولة التي ولدت في قلب التناحرات الطبقية تصبح "دولة الطبقة الاقوى، الطبقة المسيطرة اقتصادياً، والتي تغدو ايضاً بفضل الدولة الطبقة المسيطرة سياسياً، وهكذا تكتسب وسائل جديدة لاخضاع الطبقة المظلومة واستثمارها. وعلى هذا النحو كانت الدولة القديمة قبل كل شيء دولة ملاكي عبيد لاخضاع العبد، كما ان الدولة الاقطاعية كانت جهاز النبلاء لاخضاع الفلاحين الاقنان، وكما ان الدولة التمثيلية الحديثة هي اداة استثمار الرأسماليين للعمال المأجورين" (انجلس في كتاب "اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" حيث عرض وجهات نظره ووجهات نظر ماركس). وحتى الشكل الاوفر حرية والاكثر تقدماً للدولة البرجوازية، ونعني به الجمهورية الديمقراطية، لا يلغي ابداً هذا الواقع بل يعدل شكله فقط (ارتباط الحكومة بالبورصة، رشوة الموظفين والصحافة، على نحو مباشر وغير مباشر الخ.). ان الاشتراكية اذ تقود الى الغاء الطبقات تقود بالتالي الى الغاء الدولة. "ان اول عمل تثبت به الدولة فعلاً انها تمثل المجتمع باسره ـ اي الاستيلاء على وسائل الانتاج في صالح المجتمع باسره ـ هو في الوقت نفسه اخر عمل خاص بها بوصفها دولة. ان تدخل سلطة الدولة في العلاقات الاجتماعية يصبح نافلاً في ميدان بعد آخر، ثم يتلاشى من تلقاء نفسه. ومحل حكم الاشخاص تحل ادارة الاشياء وقيادة عملية الانتاج. ان الدولة "لا تلغى"، انها "تضمحل" (انجلس، "ضد دوهرنغ"). "ان المجتمع الذي سينظم الانتاج على اساس المشاركة الحرة المتساوية بين المنتجين سيعيد كل الة الدولة الى المكان اللائق بها: متحف الاثار الى جانب المغزل اليدوي والفاس البرونزية" (انجلس،"اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة").

واخيراً من الاهمية بمكان ان نشير، في معرض موقف اشتراكية ماركس من الفلاح الصغير الذي سيبقى موجوداً ايضاً في مرحلة انتزاع الملكية من مغتصبيها،الى هذا البيان من انجلس الذي يعبر عن رأي ماركس: "عندما تصبح سلطة الدولة في ايدينا لن يكون بالامكان ان يخطر ببالنا ان ننتزع ملكية الفلاحين الصغار بعنف (بتعويض او بغير تعويض سيان) مثلما سنكون مضطرين لان نفعل بالنسبة لكبار الملاكين العقاريين. ان مهمتنا تجاه الفلاح الصغير ستكون قبل كل شيء توجيه انتاجه الخاص في السبيل التعاوني، لا بواسطة العنف، بل عن طريق المثل وتقديم مساعدة المجتمع لهذا الغرض. ومن المؤكد ان سيكون لدينا ما يكفي من الوسائل لاقناع الفلاح بجميع المزايا التي يتسم بها هذا التحول والتي لا بد من توضيحها له منذ الآن". (انجلس، "مسالة الفلاحين في فرنسا والمانيا". طبع الكسييفا، صفحة 17. الترجمة الروسية باغلاط. النص الاصلي في جريدة Neue Zeit).

مذهب ماركس الاقتصادي


مذهب ماركس الاقتصادي





يقول ماركس في مقدمة كتابه "رأس المال": " ان الهدف النهائي لهذا الكتاب هو ان يكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث"، اي المجتمع الرأسمالي البرجوازي. فدراسة علاقات الانتاج في هذا المجتمع المحدد تاريخياً من حيث ولادة هذه العلاقات وتطورها وزوالها، ذلك هو مضمون مذهب ماركس الاقتصادي. ان الشيء السائد في المجتمع الرأسمالي هو انتاج البضائع. ولهذا يبدأ تحليل ماركس بتحليل البضاعة.



القيمة

البضاعة هي بالدرجة الاولى شيء يسد حاجة من حاجات الانسان. وهي بالدرحة الثانية شيء يمكن مبادلته بشيء آخر. ان منفعة شيء ما تعطيه قيمة استعمالية. اما القيمة التبادلية ـ او القيمة باختصار ـ فهي، اولاً، العلاقة، النسبة، في مبادلة عدد من القيم الاستعمالية من نوع ما بعدد من القيم الاستعمالية من نوع آخر. ان التجربة اليومية تبين لنا ان الملايين والمليارات من مثل هذه المبادلات تقيم دون انقطاع علاقات من التعادل بين القيم الاستعمالية الاكثر تنوعاً والاكثر تبايناً. فما هو العنصر المشترك بين هذه الاشياء المختلفة التي يعادل بعضها ببعض باستمرار في نظام من العلاقات الاجتماعية؟ ان العنصر المشترك بينها هو كونها نتاجات عمل. فعندما يتبادل الناس منتجاتهم يعادلون بين انواع العمل الاكثر تبايناً. ان انتاج البضائع هو نظام من العلاقات الاجتماعية يخلق فيه شتى المنتجين منتجات متنوعة (التقسيم الاجتماعي للعمل) ويعادلون بينها عند التبادل. وبالتالي ان العنصر المشترك بين جميع البضائع ليس هو العمل في فرع معين من الانتاج وليس هو عملاً من نوع خاص، بل هو العمل الانساني المجرد، العمل الانساني بوجه عام. ففي مجتمع معين تؤلف كل قوة العمل الممثلة في مجموع قيم كل البضائع قوة عمل انساني واحدة موحدة. والدليل على ذلك المليارات من امثلة التبادل. وهكذا فكل بضاعة مأخوذة بمفردها لا تمثل سوى جزء ما من وقت العمل الضروري اجتماعياً. ان كمية القيمة تحدد بقيمة العمل الضروري اجتماعياً او بوقت العمل الضروري اجتماعياً لانتاج بضاعة معينة. اي قيمة استعمالية معينة. "ان المنتجين حين يعتبرون منتجاتهم المختلفة متساوية عند تبادلها يقرون بذلك ان اعمالهم المختلفة متساوية وهم لا يدركون ذلك ولكنهم يفعلونه". لقد قال اقتصادي قديم: ان القيمة هي العلاقة بين شخصين. وكان عليه ان يضيف بكل بساطة الى قوله هذا: علاقة مغلفة بغلاف مادي. ذلك انه لا يمكن فهم القيمة الا بالاستناد الى مجمل علاقات الانتاج الاجتماعية لتشكيلة تاريخية معينة. اي العلاقات التي تظهر عند التبادل هذه الظاهرة الجماهيرية التي تتكرر مليارات المرات. "ان البضائع بوصفها قيماً ليست الا كميات محدودة من وقت العمل المتجمد" ("مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"). وبعد تحليل مفصل للصفة المزدوجة للعمل المجسد في البضائع ينتقل ماركس الى تحليل اشكال القيمة والعملة (النقد). والمهمة الرئيسية التي يضعها نصب عينيه اذ ذاك هي ان يبحث عن منشأ الشكل النقدي للقيمة، وان يدرس التفاعل التاريخي لتطور التبادل ابتداء من اعمال التبادل الفردية والعرضية ("شكل بسيط منفرد وطارئ للقيمة": كمية معينة من بضاعة ما تبادل مقابل كمية معينة من بضاعة اخرى) حتى الشكل العام للقيمة عندما يبادل عدد من البضائع المختلفة ببضاعة واحدة معينة، حتى الشكل النقدي للقيمة حيث يصبح الذهب بمثابة تلك البضاعة المعينة، بمثابة المعادل العام. ان النقد بوصفه النتاج الأعلى لتطور التبادل وانتاج البضائع يطمس، يخفي، الصفة الاجتماعية للعمل الفردي اي العلاقة الاجتماعية بين المنتجين المنفردين الذين يرتبطون ببعضهم البعض بواسطة السوق. ويخضع ماركس لتحليل مفصل الى اقصى حد شتى وظائف النقد. ومن المهم الملاحظة هنا ايضاً (كما في جميع الفصول الأولى من كتاب "رأس المال") ان الشكل المجرد للعرض الذي يبدو احياناً استدلالياً فقط يعرض في الواقع مصادر وافرة الغنى حول تاريخ تطور التبادل وانتاج البضائع. "ان النقد يفترض مستوى معيناً من التبادل البضاعي. ان شتى اشكال النقد، بوصفه معادلاً بسيطاً، ووسيلة للتداول، ووسيلة للدفع، و كنزاً مخزوناً، ونقداً عالمياً ـ تدل بالمقارنة بين تفوق وظيفة على اخرى على مراحل مختلفة جداً من الانتاج الاجتماعي" ("رأس المال"،المجلد الاول).



القيمة الزائدة

في درجة ما من تطور انتاج البضائع يتحول النقد الى رأس مال. لقد كانت صيغة تداول البضائع: ب (بضاعة) ـ ن (نقد) ـ ب (بضاعة)، اي بيع بضاعة في سبيل شراء غيرها. اما صيغة رأس المال العامة فهي بالعكس: ن ـ ب ـ ن ـ اي شراء في سبيل بيع (مع ربح). ان هذه الزيادة في القيمة الاولى للنقد الذي وضع قيد التداول هي ما يسميه ماركس "القيمة الزائدة". و"زيادة" المال هذه في التداول الرأسمالي واقع معروف لدى الجميع. ان هذه "الزيادة" بعينها هي التي تحول المال الى رأسمال بوصفه علاقة انتاج اجتماعية خاصة محددة تاريخياً. ولا يمكن للقيمة الزائدة ان تنجم عن تداول البضائع لان هذا التداول لا يعرف سوى تبادل اشياء متعادلة، ولا يمكن لها ايضاً ان تنجم عن ارتفاع الاسعار لان الخسائر والارباح لدى كل من الشارين والبائعين تتوازن، والحال ان الامر يتعلق بظاهرة اجتماعية وسطية ومعممة لا بظاهرة افرادية. فمن أجل الحصول على القيمة الزائدة "يجب ان يتمكن صاحب المال من اكتشاف بضاعة في السوق، لها قيمة استعمالية، تتمتع بميزة خاصة هي ان تكون مصدراً للقيمة"، اي بضاعة تكون عملية استهلاكها في الوقت نفسه عملية تخلق قيمة. وبالفعل هذه البضاعة موجودة: انها قوة العمل الانساني. ان استهلاكها هو العمل والعمل يخلق القيمة. ان صاحب المال يشتري قوة العمل بقيمتها التي يحددها، كما يحدد قيمة كل بضاعة اخرى، وقت العمل الضروري اجتماعياً لانتاج البضاعة (اي نفقات اعالة العامل وعائلته). وحين يشتري صاحب المال قوة العمل يصبح من حقه ان يستهلكها اي ان يجعلها تعمل طوال النهار ولنقل 12 ساعة. ولكن العامل حين يشتغل 6 ساعات (اي وقت العمل "الضروري") يعطي انتاجاً يغطي نفقات اعالته وفي الساعات الست الاخرى (اي وقت العمل "الزائد") يعطي انتاجاً "زائداً" لا يدفع الرأسمالي اجرة عنه، اي يعطي القيمة الزائدة. وبالتالي فمن وجهة نظر عملية الانتاج يجب ان نميز قسمين في الرأسمال: الرأسمال الثابت الذي ينفق على وسائل الانتاج (الات، وادوات عمل، ومواد اولية الخ.) وتنتقل قيمته كما هي (دفعة واحدة او دفعات) الى المنتوج التام الصنع، والرأسمال المتغير (المتحرك) الذي ينفق على قوة العمل. وقيمة هذا الرأسمال لا تظل ثابتة بل تنمو في عملية الانتاج، اذ تخلق القيمة الزائدة. وعليه فمن اجل التعبير عن درجة استثمار الرأسمال لقوة العمل يجب مقارنة القيمة الزائدة لا بالرأسمال كله بل بالرأسمال المتغير. ان معدل القيمة الزائدة، الاسم الذي اطلقه ماركس على هذه العلاقة، سيكون في مثلنا 6/6 او 100 بالمائة.

ان المقدمة التاريخية لظهور الرأسمال هي في الدرجة الاولى تراكم كمية معينة من المال في ايدي عدد من الافراد في حين بلغ انتاج البضائع درجة ارتفاع نسبي. وهي، في الدرجة الثانية، وجود عمال "احرار" من وجهتين: من وجهة انهم احرار من كل تضييق و من كل تقيد في بيع قوة عملهم، واحرار لانهم لا يملكون ارضاً ولا وسائل انتاج بوجه عام، اي وجود عمال احرار وغير مقيدين، اي وجود عمال "بروليتاريين" لا يستطعيون العيش بغير قوة عملهم.

ان ازدياد القيمة الزائدة امر ممكن بفضل وسيلتين اساسيتين: تمديد يوم العمل ("قيمة زائدة مطلقة") والتقليص في يوم العمل الضروري ("قيمة زائدة نسبية"). وعندما يحلل ماركس الوسيلة الاولى يرسم لوحة رائعة لنضال الطبقة العاملة في سبيل تقليص يوم العمل ولتدخل سلطة الدولة في سبيل تمديده (من القرن الرابع عشر الى القرن السابع عشر) وفي سبيل تقليصه (تشريع المصانع في القرن التاسع عشر). و منذ نشر كتاب "رأس المال" قدم تاريخ الحركة العمالية في جميع البلدان المتمدنة في العالم عدداً لا يحصى من الوقائع الجديدة التي تبرهن على صدق هذه اللوحة.

ان ماركس عند تحليله القيمة الزائدة النسبية يدرس المراحل التاريخية الاساسية الثلاث لزيادة انتاجية العمل من قبل الرأسمالية:

1- التعاون البسيط.

2- تقسيم العمل والمانيفاكتورة.

3- الآلات والصناعة الكبرى.

ان العمق الذي يكشف به ماركس الخطوط الاساسية النموذجية لتطور الرأسمالية يظهر فيما يظهر من كون دراسة الصناعة المسماة الصناعة "الحرفية" في روسيا تقدم ادلة وافرة جداً توضح وتبرز المرحلتين الاوليتين من هذه المراحل الثلاث. اما عمل الصناعة الميكانيكية الضخمة الثوري الذي وصفه ماركس في 1867 فقد ظهر خلال نصف القرن المنصرم منذ ذلك الحين في عدة بلدان "جديدة" (روسيا واليابان وغيرهما).

وبعد فان الامر الهام والجديد الى اقصى حد عند ماركس هو تحليل تراكم الرأسمال. اي تحول قسم من القيمة الزائدة الى رأسمال، واستعماله لا لسد حاجات الرأسمالي الشخصية او لارضاء نزواته بل للانتاج من جديد. لقد اشار ماركس الى خطأ الاقتصاد السياسي الكلاسيكي السابق كله (ابتداء من ادم سميث) الذي يعتبر ان كل القيمة الزائدة التي تتحول الى رأسمال تذهب الى الرأسمال المتغير بينما هي في الحقيقة تنقسم الى وسائل انتاج و رأسمال متغير. وفي عملية تطور الرأسمالية وتحولها الى الاشتراكية يرتدي ازدياد حصة الرأسمال الثابت بمزيد من السرعة (من اصل مجمل رأس المال) بالقياس الى حصة الرأسمال المتغير اهمية اولية.

ان تراكم الرأسمال بتعجيله في احلال الآلة محل العمال، وبخلقه الثراء في قطب والبؤس في قطب آخر، يخلق ايضاً ما يسمى "باحتياطي جيش العمل" او "الفائض النسبي من العمال" او "فيض السكان الرأسمالي" الذي يرتدي اشكالاً متنوعة الى اقصى حدود التنوع، ويمكن الرأسمال من ان يوسع الانتاج بسرعة بالغة. ان هذه الامكانية اذا نسقت مع التسليف وتراكم الرأسمال بشكل وسائل الانتاج تعطينا فيما تعطيه مفتاحاً لفهم ازمات فيض الانتاج التي كانت في البدء تحصل على نحو دوري في البلدان الرأسمالية مرة في كل عشر سنوات تقريباً، ومن ثم في فترات اقل تقارباً واقل ثباتاً. ويجب التمييز بين تراكم الرأسمال على اساس الرأسمالية، والتراكم المسمى بالتراكم "البدائي" الذي يتصف بفصل الشغيل فصلاً عنيفاً عن وسائل الانتاج ويطرد الفلاحين من اراضيهم وبسرقة الاراضي المشاعية وبنظام المستعمرات وبالديون العامة وبرسوم الحماية الخ...ان "التراكم البدائي" يخلق البروليتاري "الحر" في قطب، وفي قطب آخر القابض على المال، الرأسمالي.

ويصف ماركس "الاتجاه التاريخي للتراكم الرأسمالي" بهذه العبارات المشهورة: "ان انتزاع ملكية المنتجين المباشرين يتم باشد النزعات الى الهدم والتدمير بعداً عن الشفقة وبدافع من احط المشاعر واحقرها واشدها تفاهة وحقداً. فالملكية الخاصة المكتسبة بعمل المالك" (عمل الفلاح والحرفي) "والقائمة اذا جاز التعبير على اندماج الشغيل الفردي المستقل مع ادوات ووسائل عمله تزيحها الملكية الخاصة الرأسمالية التي ترتكز على استثمار قوة عمل الغير الذي لا يتمتع بغير حرية شكلية ... اما من يتعلق الامر الآن بانتزاع ملكيته فلم يعد المقصود العامل الذي يدير استثمارة مستقلة بنفسه بل الرأسمالي الذي يستثمر العديد من العمال. ان انتزاع الملكية هذا يتم بفعل القوانين الملازمة للانتاج الرأسمالي نفسه عن طريق تمركز الرساميل. ان رأسمالياً واحداً يقضي على الكثيرين من امثاله. والى جانب هذا التمركز اي انتزاع بعض الرأسماليين ملكية عدد كبير من امثالهم يتطور الشكل التعاوني لسير العمل على مقياس يتسع اكثر فاكثر، كما يتطور تطبيق العلم على التكنيك تطبيقاً فطناً و متعقلاً واستثمار الارض استثماراً منهجياً وتحويل وسائل العمل الى وسائل للعمل لا يمكن استعمالها الا استعمالاً مشتركاً، وتوفير جميع وسائل الانتاج باستعمالها كوسائل انتاج لعمل اجتماعي منسق، ودخول جميع الشعوب في شبكة السوق العالمية. وتتطور الى جانب كل ذلك الصفة العالمية للنظام الرأسمالي. وبقدر ما يتناقص باستمرار عدد دهاقنة الرأسمال الذين يغتصبون ويحتكرون جميع منافع عملية التحول هذه بقدر ما يشتد ويستشري البؤس والظلم والاستعباد والانحطاط والاستثمار. وبقدر ما يزداد ايضاً تمرد الطبقة العاملة التي تتثقف وتتحد وتنتظم بفعل آلية عملية الانتاج الرأسمالي نفسها. وهكذا يصبح احتكار الرأسمال قيد لاسلوب الانتاج الذي نشأ معه وبه. ان تمركز وسائل الانتاج وجعل العمل اجتماعياً ينتهيان الى حد انهما لا يعودان يتطابقان مع اطارهما الرأسمالي فينفجر. ان الساعة الاخيرة للملكية الخاصة الرأسمالية تدق. ان مغتصبي الملكية تنزع منهم ملكيتهم" ("رأس المال"، المجلد الاول).

ثم ان ما هو جديد وذو اهمية كبرى انما هو تحليل ماركس في المجلد الثاني من "رأس المال" لتجديد انتاج الرأسمال الاجتماعي بمجموعه. وهنا ايضاً لا يأخذ ماركس بعين الاعتبار ظاهرة عامة ولا جزءا من الاقتصاد الاجتماعي بل الاقتصاد الاجتماعي بكليته. ان ماركس عند اصلاحه خطأ الكلاسيكيين المشار اليهم انفاً يقسم مجموع الانتاج الاجتماعي الى قسمين كبيرين: اولاً، انتاج وسائل الانتاج وثانياً، انتاج سلع الاستهلاك. ثم، بالاستناد الى ارقام ياخذها على سبيل المثال، يدرس درساً دقيقاً تداول الرأسمال الاجتماعي بمجموعه سواء في تجديد الانتاج البسيط ام في التراكم. وفي المجلد الثالث من "رأس المال" تجد مسالة المعدل الوسطي للربح حلاً لها بالاستناد الى قانون القيمة. ولقد تحقق تقدم كبير في العلم الاقتصادي نظراً الى ان ماركس يبني تحليله على ظواهر اقتصادية كثيرة، على مجموع الاقتصاد الاجتماعي، لا على ظواهر منعزلة او على مظهر المزاحمة الخارجي السطحي الذي غالباً ما يقف عنده الاقتصاد السياسي المبتذل او ما يسمونه نظرية الحد الاقصى من النفع الحديثة([30]). ان ماركس يحلل في الدرحة الاولى مصدر القيمة الزائدة ليدرس بعد ذلك انقسامها الى ربح وفائدة وريع عقاري. اما الربح فهو نسبة القيمة الزائدة الى مجموع الرأسمال الموظف في مشروع ما. والرأسمال "ذو التركيب العضوي العالي"(اي عندما يتجاوز الرأسمال الثابت الرأسمال المتغير بنسب اعلى من المعدل الاجتماعي الوسطي) يعطي معدلاً من الربح ادنى من المعدل الوسطي. والرأسمال "ذو التركيب العضوي المنخفض" يعطي معدلاً من الربح اعلى من المعدل الوسطي. ان تزاحم الرساميل وانتقالها الحر من فرع الى آخر يحملان في الحالتين معدل الربح الى المعدل الوسطي. ان مجموع قيم جميع البضائع في مجتمع معين يوازي مجموع اثمان البضائع، ولكن في كل مشروع بمفرده وبفعل المزاحمة تباع البضائع لا بحسب قيمتها بل بسعر الانتاج ( او السعر الانتاجي) الذي يعادل الرأسمال المصروف مضافاً اليه الربح الوسطي.

وهكذا فان انحراف السعر عن القيمة والتوزيع المتساوي للربح ـ هذا الواقع الذي لا يقبل الجدل والمعروف لدى الجميع ـ يوضحه ماركس تمام الايضاح بالاستناد الى قانون القيمة. اذ ان مجموع قيم جميع البضائع يعادل مجموع اسعارها. ولكن الطريق من القيمة (الاجتماعية) الى الاسعار (الافرادية) ليس بسيطاً ومباشراً بل طريق معقد جداً. فمن الطبيعي تماماً في مجتمع يكون فيه منتجو البضائع متفرقين وغير مرتبطين فيمن بينهم الا بواسطة السوق، ان لا يسري مفعول القوانين الا بصورة وسطية اجتماعية عامة مع ازالة الانحرافات الافرادية من هذه الجهة وتلك.

ان ازدياد انتاجية العمل يعني نمواً اسرع في الرأسمال الثابت بالقياس الى الرأسمال المتغير. ولكن لما كانت القيمة الزائدة لا ترتبط الا بالرأسمال المتغير اصبح من المفهوم ان يميل معدل الربح (اي نسبة القيمة الزائدة الى مجموع الرأسمال لا الى القسم المتغير منه فقط) الى الهبوط. ان ماركس يحلل تحليلاً دقيقاً جداً هذا الميل، كما يحلل الظروف التي تخفيه او تعاكسه. ودون ان نتوقف عند الفصول العظيمة الاهمية في المجلد الثالث المكرسة لرأسمال الربا والرأسمال التجاري والرأسمال النقدي، ننتقل الى الجزء الاكثر اهمية الا وهو نظرية الريع العقاري. لما كانت مساحة الارض محدودة ويشغلها تماماً في البلدان الرأسمالية ملاكون فرديون اصبح ثمن انتاج المنتجات الزراعية لا يتحدد بواسطة نفقات الانتاج على ارض وسطية بل على ارض من النوع الاسوأ، ولا بواسطة الشروط الوسطية لنقل المنتجات الى السوق بل تبعاً للشروط الاقل ملاءمة. ان الفرق بين هذا الثمن وثمن الانتاج على ارض اجود نوعاً (او في شروط احسن) يعطي الريع الفرقي (او المتفاوت). ان ماركس بالاستناد الى تحليل مفصل لهذا الريع يبين فيه ان هذا الريع ينجم عن التفاوت (الفرق) في جودة الاراضي، وعن تفاوت (فرق) الرساميل الموظفة في الزراعة، قد اوضح وضوحاً تاماً (انظر ايضاً "نظريات القيمة الزائدة" حيث يستحق انتقاد رودبرتوس اهتماماً خاصاً) خطأ ريكاردو الذي يزعم ان الريع الفرقي لا يحصل الا بالانتقال الدائم من اراض اكثر جودة الى اراض اقل جودة. فالامر على خلاف ذلك: فان تغيرات معاكسة قد تحدث ايضاً. فالاراضي من فئة معينة تتحول الى اراض من فئة اخرى (بفعل ارتفاع مستوى الزراعة ونمو المدن الخ). والقانون الشهير"قانون تناقص خصب التربة" يبدو بمثابة خطأ عميق يرمي الى القاء عيوب الرأسمالية وحدودها الضيقة وتناقضاتها على كاهل الطبيعة. ثم ان تساوي الربح في جميع فروع الصناعة والاقتصاد الوطني بوجه عام يفترض حرية تامة في المزاحمة وحرية نقل الرأسمال من فرع الى آخر. ولكن الملكية الخاصة للارض تخلق احتكاراً وعقبة في وجه حرية النقل هذه. ان منتجات الزراعة التي تتميز بتركيب منخفض في رأسمالها، والتي تعطي بالتالي معدلاً اعلى للربح الفردي، لا تدخل بفعل هذا الاحتكار في عملية تساوي معدل الربح الحرة تماماً. فالمالك الذي يحتكر الارض يتمكن من ابقاء السعر في معدل اعلى من الوسط، وهذا السعر الاحتكاري يخلق الريع المطلق. ان الريع الفرقي لا يمكن الغاؤه في النظام الرأسمالي، وعكساً لذلك يمكن الغاء الريع المطلق بتأميم الارض، مثلاً عندما تصبح الارض ملكاً للدولة. ان انتقال الارض هذا الى الدولة يعني تقويض احتكار الملاكين الفرديين، ويعني ايضاً حرية في المزاحمة اكثر انسجاماً واكتمالاً في الزراعة. ولهذا كما يقول ماركس تقدم البرجوازيون الراديكاليون اكثر من مرة في التاريخ بهذا المطلب البرجوازي التقدمي القائل بتأميم الارض. هذا المطلب الذي يخيف مع ذلك اكثر البرجوازية لانه "يمس" عن قرب احتكاراً آخر له في ايامنا هذه اهمية خاصة و"حساسية" خاصة، وهو احتكار وسائل الانتاج بوجه عام. (ان هذه النظرية حول الربح الوسطي للرأسمال وحول الريع العقاري المطلق قد عرضها ماركس باسلوب رائع بسيط ومختصر وواضح في رسالته الى انجلز بتاريخ 2 اب/اوت سنة 1862. انظر "المراسلات"، المجلد الثالث، ص 77-81، ورسالته المؤرخة في 9 اب/اوت سنة ،1862 ص 86-87، المصدر نفسه). ومن الاهمية بمكان اايضاً الاشارة في تاريخ الريع العقاري الى تحليل ماركس الذي يبين تحول الريع ـ العمل (عندما يخلق الفلاح نتاجاً اضافياً بعمله في ارض الملاك) الى ريع ـ انتاج، او الى ريع عيني (عندما يخلق الفلاح على ارضه نتاجاً اضافياً يقدمه للملاك بموجب "الاكراه غير الاقتصادي") ثم الى ريع نقدي (اذ يتحول هذا الريع العيني الى نقد ـ "اوبروك" اي اتاوة في روسيا القديمة ـ بسبب تطور انتاج البضائع)، واخيراً الى ريع رأسمالي عندما يحل محل الفلاح في الزراعة رب عمل يزرع الارض باللجوء الى العمل المأجور. ولنشر بصدد هذا التحليل "لتولد الريع العقاري الرأسمالي" الى جملة من افكار ماركس العميقة (ذات الاهمية الخاصة بالقياس الى البلدان المتاخرة كروسيا مثلاً) حول تطور الرأسمالية في الزراعة. "مع تحول الريع العيني الى ريع نقدي، تتكون بالضرورة، في الوقت نفسه وحتى مسبقاً، طبقة من المياومين الذين لا يملكون ويعملون بالاجرة. وفي الوقت الذي تتكون فيه هذه الطبقة التي لم تكن ظهرت الا ظهوراً متفرقاً يكون الفلاحون الميسورون الملزمون بدفع اتاوة قد اعتادوا بالطبع استثمار بعض الاجراء الزراعيين لحسابهم الخاص كما كان يحدث تماماً في النظام الاقطاعي، حيث كان للفلاحين الاقنان الميسورين اقنان اخرون ايضاً. ومن هنا كانت تتوافر لهم امكانية جمع الثروة شيئاً فشيئاً وتحويل انفسهم الى رأسماليين مقبلين.

وهكذا تتكون بين مالكي الارض القدماء، ممن يديرون استثمارات مستقلة، بيئة تنبت مستأجري الاراضي الرأسماليين الذين يرتبط تطورهم بالتطور العام للانتاج الرأسمالي خارج الزراعة" ("رأس المال"، المجلد الثالث، 2، ص 332)..."ان انتزاع ملكية قسم من سكان الارياف وطردهم من الريف لا "يحرران" عمالاً ووسائل للعيش والعمل لهم من اجل الرأسمال الصناعي وحسب بل يخلقان السوق الداخلية ايضاً" ("رأس المال"، المجلد الاول، 2، ص 778). ان املاق وخراب سكان الارياف يسهمان بدورهما في انشاء جيش احتياطي من العمال للرأسمال . لهذا في كل بلد رأسمالي "يوجد دائماً قسم من سكان الارياف يوشك على الدوام ان يتحول الى سكان مدن او الى سكان يعملون في الصناعة (اي غير زراعيين). وهذا المورد لتزايد السكان النسبي لا ينضب ابداً...فالعامل الزراعي مكره على تقاضي الحد الادنى من الاجرة ويقف دائماً على احدى رجليه في مستنقع الاملاق" ("رأس المال"،المجلد الاول، 2، ص 668). ان ملكية الفلاح الخاصة للارض التي يزرعها تؤلف اساس الانتاج الصغير. تؤلف الشرط الذي يسمح لهذا الانتاج بان يزدهر وياخذ شكلاً كلاسيكياً. ولكن هذا الانتاج الصغير لا ينسجم الا مع الاطارات البدائية الضيقة للانتاج والمجتمع. ففي النظام الرأسمالي "لا يتميز استثمار الفلاحين عن استثمار البروليتاريا الصناعية الا من حيث الشكل. فالمستثمر هو هو، اي الرأسمال. إن الرأسماليين، كلا بمفرده، يستثمرون الفلاحين كلا بمفرده بواسطة الرهن والربا. ان طبقة الرأسماليين تستثمر طبقة الفلاحين بواسطة الضرائب" ("نضال الطبقات في فرنسا"). "ان ارض الفلاح الصغيرة لم تعد سوى ذريعة تتيح للرأسمال ان يجني من الارض ربحاً وفائدة وريعاً، وان يترك لمالك الارض نفسه امر الاهتمام بالطريقة التي يراها ناجحة للحصول على اجرته" ("18 برومير"). بل ان الفلاح يقدم عادة الى المجتمع الرأسمالي، اي الى طبقة الرأسماليين قسماً من اجرته، ويقع على هذا النحو "في حالة المكتري الارلندي مع احتفاظه بمظهر المالك الفردي" ("نضال الطبقات في فرنسا"). فما هو اذن "احد الاسباب التي تؤدي الى ان يكون سعر الحبوب في البلدان التي تسود فيها الملكية الصغيرة للارض اقل منه في البلدان ذات اسلوب الانتاج الراسمالي؟" ("رأس المال"، المجلد الثالث، 2، ص 340) ذلك ان الفلاح يقدم مجاناً الى المجتمع (اي طبقة الرأسماليين) قسماً من انتاجه الزائد. "ان هذا السعر المنخفض (اي سعر الحبوب وبقية المنتجات الزراعية) ينجم اذن عن فقر المنتجين ولا ينجم ابداً عن انتاجية عملهم". ("رأس المال"، المجلد الثالث، 2، ص 340). فان الملكية الزراعية الصغيرة التي هي الشكل العادي للانتاج الصغير تتدهور في النظام الرأسمالي وتبيد وتهلك. "ان الملكية الصغيرة للارض تحول بحكم طبيعتها دون تطور قوى العمل الانتاجية الاجتماعية واشكال العمل الاجتماعية وتمركز الرساميل الاجتماعي وتربية المواشي على نطاق كبير وتطبيق العلم تطبيقاً مطرداً. ان الربا ونظام الضرائب يحتمان خراب الملكية الزراعية الصغيرة في كل مكان. فينتزع من الزراعة الرأسمال الموظف لشراء الارض. وتجزأ وسائل الانتاج الى ما لانهاية ويتبعثر المنتجون". (ان التعاونيات اي جمعيات الفلاحين الصغار التي تقوم باعظم دور تقدمي برجوازي يمكنها فقط ان تضعف هذا الاتجاه دون ان تمحوه ويجب ان لا ننسى ايضاً ان هذه التعاونيات تعطي كثيراً للفلاحين الميسورين ولكنها تعطي قليلاً جداً لجمهور الفلاحين الفقراء او لا تعطيهم شيئا تقريباً. ثم ان الامر ينتهي بهذه الجمعيات الى ان تستثمر بنفسها العمل المأجور). "فهناك تبذير هائل للقوة الانسانية. ان تفاقم شروط الانتاج تفاقماً مطرداً و ارتفاع اسعار وسائل الانتاج هما قانونان ملازمان للملكية الصغيرة المجزأة". ("رأس المال المجلد الثالث). ففي الزراعة كما في الصناعة لا يظهر التحول الرأسمالي في اسلوب الانتاج إلا على حساب "شهادة المنتج". "ان تبعثر العمال الزراعيين على مساحات كبرى يحطم قوة مقاومتهم في حين يزيد التجمع قوة مقاومة عمال المدن. وفي الزراعة الحديثة الرأسمالية كما في الصناعة الحديثة يتم التوصل الى نمو قوة العمل الانتاجية والى زيادة قابليته للحركة عن طريق تحطيم قوة العمل بالذات واستنفادها. ومن جهة اخرى كل تقدم للزراعة الرأسمالية هو تقدم لا في فن نهب الشغيل فحسب بل في فن نهب الارض ايضاً ... فالانتاج الرأسمالي اذن لا يطور التكنيك وتنسيق عملية الانتاج الاجتماعية الا باستنزافه في الوقت نفسه الينبوعين اللذين تنبثق منهما كل ثروة: الارض والشغيل" ("رأس المال"،المجلد الاول، نهاية الفصل الثالث عشر).

الصراع الطبقي في الماركسيه


الصراع الطبقي

من المعلوم انه في كل مجتمع تتصادم مطامح البعض مع مطامح البعض الآخر. وان الحياة الاجتماعية مليئة بالتناقضات، وان التاريخ يكشف لنا عن الصراع الذي بين الشعوب و المجتمعات، كما يقوم داخل الشعوب والمجتمعات نفسها، وانه يبين لنا ايضاً مراحل متعاقبة من الثورة والرجعية، من السلم والحروب، من الركود والتقدم السريع او الانحطاط. ان الماركسية قد رسمت النهج الموجه الذي يتيح اكتشاف وجود القوانين في هذا التعقيد والتشوش الظاهر. ونعني بهذا نظرية الصراع الطبقي. فقط دراسة مجمل المطامح لدى جميع اعضاء مجتمع ما،او عدد من المجتمعات تسمح بتحديد نتيجة هذه المطامح تحديداً علمياً. هذا مع العلم ان المطامح المتناقضة يولدها تباين الاوضاع وشروط الحياة لدى الطبقات التي ينقسم اليها كل مجتمع. يقول ماركس في "البيان الشيوعي": "ان تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا (ثم يضيف انجلس فيما بعد: ما عدى المشاعية البدائية) لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات. فالحر والعبد، والنبيل والعامي، والسيد الاقطاعي والقن، والمعلم والصانع. اي باختصار، المضطهدون والمضطهدين، كانوا في تعارض دائم وكانت بينهم حرب مستمرة، تارة ظاهرة، وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائماً اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع باسره، واما بانهيار الطبقتين معاً... اما المجتمع البرجوازي الحديث الذي خرج من احشاء المجتمع الاقطاعي الهالك فانه لم يقض على التناقضات بين الطبقات بل اقام طبقات جديدة محل القديمة واوجد ظروفاً جديدة للاضطهاد واشكالاً جديدة للنضال بدلا من القديمة. إلا ان ما يميز عصرنا الحاضر، عصر البرجوازية، هو انه جعل التناحر الطبقي اكثر بساطة. فان المجتمع اخذ بالانقسام، اكثر فاكثر، الى معسكرين فسيحين متعارضين،الى طبقتين كبيرتين العداء بينهما مباشر: هما البرجوازية والبروليتاريا". ومنذ الثورة الفرنسية الكبرى كشف تاريخ اوروبا في عدد من البلدان على نحو بديهي خاص عن السبب الحقيقي للاحداث وهو صراع الطبقات. فمنذ عهد عودة الملكية([28]) ظهر في فرنسا عدد من المؤرخين (تييري وغيزو ومينيه وتيير) الذين كانوا مجبرين عند تلخيصهم لما كان يحدث ان يعترفوا بان الصراع الطبقي موجود وانه المفتاح الذي يتيح فهم كل تاريخ فرنسا. ولكن المرحلة الحديثة الاخيرة، مرحلة انتصار البرجوازية التام، والمؤسسات التمثيلية والاقتراع الموسع (ان لم يكن العام)، مرحلة الصحافة اليومية الزهيدة الثمن، التي تتغلغل بين الجماهير الخ. هذه المرحلة قد اثبتت بمزيد من الجلاء ايضاً (ولو احياناً على نحو وحيد الجانب و"سلمي" و"دستوري") ان الصراع الطبقي هو محرك الاحداث. ان المقتطف التالي من "البيان الشيوعي" يبين لنا ما طلبه ماركس من علم الاجتماع من وجهة نظر التحليل الموضوعي لأوضاع كل طبقة من طبقات المجتمع الحديث بالارتباط مع تحليل تطور هذه الطبقة: "وليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن امام البرجوازية وجهاً لوجه الا طبقة واحدة ثورية حقا هي البروليتاريا. ان جميع الطبقات الاخرى تنحط و تنقرض في النهاية مع نمو الصناعة الكبرى،اما البروليتاريا فهي ـ خلافاً لذلك ـ اخص واساس منتجات هذه الصناعة. ان الشريحة السفلى من الطبقة المتوسطة وصغار الصناعيين والباعة والحرفيين والفلاحين تحارب البرجوازية من اجل الحفاظ على وجودها بوصفها فئات متوسطة. فهي ليست اذن ثورية بل محافظة واكثر من محافظة، ايضاً انها رجعية. اذ انها تريد ان تدور عجلة التاريخ الى الوراء. وان حدث وان كانت ثورية فذلك لانها في حالة انتقال الى صفوف البروليتاريا وبذلك لا تدافع عن مصالحها الانية بل عن مصالحها المستقبلية وهي تتخلى عن وجهة نظرها الخاصة لتتخذ لنفسها وجهة نظر البروليتاريا". وفي جملة من المؤلفات التاريخية اعطى ماركس امثلة ساطعة وعميقة عن علم التاريخ المادي وعن تحليل ظروف كل طبقة بذاتها. واحياناً ظروف مختلف الجماعات و الفئات في الطبقة الواحدة. وبين على نحو ساطع لماذا و كيف "ان كل نضال طبقي هو نضال سياسي"([29]). ان المقطع الذي استشهدنا به انفا يبين بوضوح كم هي معقدة شبكة العلاقات الاجتماعية والدرجات الانتقالية بين طبقة واخرى وبين الماضي والمستقبل التي يحللها ماركس ليظهر حاصل كل التطور التاريخي.

ان نظرية ماركس تجد تاكيدها وتطبيقها الاكثر عمقاً وشمولاً وتفصيلاً في مذهبه الاقتصادي.

المفهوم المادي للتاريخ فى الماركسيه


المفهوم المادي للتاريخ

ادرك ماركس خلو المادية القديمة من المنطق وعدم اكتمالها وطابعها الوحيد الجانب. فاقتنع بانه يجب "جعل علم المجتمع منسجماً مع الأساس المادي واعادة بنائه استناداً الى هذا الاساس"([25]). واذا كانت المادية بوجه عام تفسر الوعي بالكائن وليس بالعكس، فهي تتطلب عند تطبيقها على الحياة الاجتماعية للانسانية تفسير الوعي الاجتماعي بالكائن الاجتماعي. يقول ماركس: "ان التكنولوجيا تبرز اسلوب عمل الانسان تجاه الطبيعة،اي العملية المباشرة لانتاج حياته و بالتالي الظروف الاجتماعية لحياته والافكار او المفاهيم الفكرية التي تنجم عن هذه الظروف" ("رأس المال" المجلد الاول)([26]). وقد اعطى ماركس صيغة كاملة عن الموضوعات الاساسية للمادية في تطبيقها على المجتمع البشري وعلى تاريخه، وذلك في مقدمة كتابه: "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" قال:

"ان الناس اثناء الانتاج الاجتماعي لحياتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن ارادتهم. وتطابق علاقات الانتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية.

ومجموع علاقات الانتاج هذه يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، اي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي و سياسي وتطابقه اشكال معينة من الوعي الاجتماعي. ان اسلوب انتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي و الفكري بصورة عامة. فليس ادراك الناس هو الذي يحدد معيشتهم بل على العكس من ذلك معيشتهم الاجتماعية هي التي تحدد ادراكهم. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها تدخل في تناقض مع علاقات الانتاج الموجودة او مع علاقات الملكية ـ وليست هذه سوى التعبير الحقيقي لتلك ـ التي كانت الى ذلك الحين تتطور ضمنها. فبعد ما كانت هذه العلاقات اشكالاً لتطور القوى المنتجة تصبح قيوداً على هذه القوى. وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية. ومع تغير الاساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي الهائل بهذا الحد او ذاك من السرعة. وعند دراسة هذه الانقلابات ينبغي دائماً التمييز بين الانقلاب المادي لشروط الانتاج الاقتصادية ـ هذا الانقلاب الذي يحدد بدقة العلوم الطبيعية ـ وبين الاشكال الحقوقية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية، او بكلمة مختصرة الاشكال الفكرية التي يتصور فيها الناس هذا النزاع ويكافحونه.

فكما انه لا يمكن الحكم على فرد وفقاً للفكرة التي لديه عن نفسه، كذلك لا يمكن الحكم على عهد انقلاب كهذا وفقاً لوعيه. فينبغي تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية و بالنزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة و علاقات الانتاج"..." ان اساليب الانتاج، الاسلوب الاسيوي و القديم و الاقطاعي و البرجوازي الحديث مرسومة بخطوطها الكبرى يمكن اعتبارها بمثابة عهود متصاعدة من التكون الاجتماعي الاقتصادي"([27]). (" راجع الصيغة الموجزة التي يعطيها ماركس في رسالته الى انجلس بتاريخ 7 تموز/جويلية 1866: "نظريتنا حول تحديد تنظيم العمل بواسطة وسائل الانتاج").

ان اكتشاف المفهوم المادي عن التاريخ، او بتعبير ادق تطبيق وتوسيع المادية بدأب وانسجام الى النهاية حتى تشمل ميدان الظاهرات الاجتماعية، قد قضى على عيبين رئيسيين في النظريات التاريخية السابقة: اولاً: لم تكن هذه النظريات تأخذ بعين الاعتبار، في احسن الحالات، غير الدوافع، دون ان تدرك القوانين الموضوعية التي تسير تطور نظام العلاقات الاجتماعية، دون ان ترى جذور هذه العلاقات في درجة تطور الانتاج المادي. ثانياً: كانت النظريات السابقة تهمل على وجه الضبط عمل جماهير السكان بينما مكنت المادية التاريخية لأول مرة من دراسة الظروف الاجتماعية لحياة الجماهير ومن دراسة تغيرات هذه الظروف بدقة العلوم الطبيعية. لقد كان "علم الاجتماع" وعلم التاريخ قبل ماركس يكدسان في احسن الحالات وقائع خام مجموعة كيفما اتفق ويعرضان بعض الجوانب من حركة تطور التاريخ. لقد شقت الماركسية الطريق امام دراسة واسعة شاملة لعملية نشوء تشكيلات المجتمع الاقتصادية وتطورها وانهيارها وذلك بتحليلها مجموعة الميول المتناقضة وردها الى ظروف المعيشة والانتاج الواضحة المعالم لمختلف طبقات المجتمع، وبابعادها اختيار الافكار "القائدة" او تأويلها على نحو ذاتي واعتباطي، ويكشفها عن جذور جميع الافكار وجميع الميول المتباينة في اوضاع القوى المنتجة المادية دون استثناء. ان الناس هم صانعوا تاريخهم، ولكن ما الذي يحدد دوافعهم وخصوصاً دوافع الجماهير البشرية؟ وما هو سبب نزاعات الافكار والمطامح المتضادة؟ وماذا يمثل مجموع هذه النزاعات في مجمل المجتمعات البشرية، وما هي الشروط الموضوعية لانتاج الحياة المادية التي يقوم عليها اساس كل نشاط الناس التاريخي؟ وماهو قانون تطور هذه الشروط؟ ان ماركس قد اعار انتباهه لهذه المسائل ورسم الطريق لدراسة علمية للتاريخ بوصفه حركة تطور واحدة تسير وفق قوانين معينة رغم تنوعها العجيب ورغم جميع تناقضاتها.

الديالكتيك فى الماركسيه


الديالكتيك



لقد كان ماركس وانجلس يريان في ديالكتيك هيغل اوسع مذهب من مذاهب التطور واوفرها مضموناً واشدها عمقاً واثمن اكتساباً حققته الفلسفة الكلاسيكية الالمانية. وكانت كل صيغة اخرى لمبدأ التطور تتراءى لهما وحيدة الجانب فقيرة المضمون تشوه وتفسد السير الواقعي للتطور (الذي يتميز احياناً بقفزات وكوارث وثورات) في الطبيعة والمجتمع. "اننا كلينا، ماركس وانا، كنا وحدنا تقريباً اللذين عملا لانقاذ الديالكتيك الواعي" (من المثالية بما فيها الهيغلية نفسها) "وذلك بادخاله في المفهوم المادي للطبيعة". "ان الطبيعة هي محك الاختبار للديالكتيك، ويجب ان نضيف ان علم الطبيعة الحديث قد اغنى الى اقصى حدود الغنى (كتب هذا قبل اكتشاف الراديوم و الالكترونات و تحول العناصر الخ.!) ولا يزال يضيف لوازم هذا الاختبار يومياً وبذلك اثبتت هذه العلوم ان الطبيعة تعمل في نهاية المطاف على نحو ديالكتيكي لا على نحو ميتافيزيقي"([22]).

قال انجلس ايضاً: "ان الفكرة الاساسية الكبرى التي تقول بان العالم لا يتألف من اشياء تامة الصنع بل هو مجموعة من العمليات يطرأ فيها على الاشياء التي تبدو في الظاهر ثابتة، وكذلك على انعكاساتها الذهنية في دماغنا،اي الافكار، تغير مستمر من الصيرورة والفناء، ان هذه الفكرة الاساسية الكبرى قد نفذت على نحو عميق منذ هيغل في الادراك العام حتى انه لا يوجد من يعارضها في شكلها العام هذا. ولكن الاعتراف بهذه الفكرة كلاماً شيء وتطبيقها في الواقع في كل حال من الاحوال وفي كل ميدان من ميادين البحث شيء آخر". "ليس هناك من امر نهائي مطلق مقدس امام الفلسفة الديالكتيكية فيه ترى كل شيء وفي كل شيء خاتم الهلاك المحتوم، وليس ثمة شيء قادر على الصمود في وجهها غير الحركة التي لا تنقطع، حركة الصيرورة والفناء، حركة التصاعد ابداً دون توقف من الادنى الى الاعلى. وهذه الفلسفة نفسها ليست إلا مجرد انعكاس هذه الحركة في الدماغ المفكر". فالديالكتيك هو اذن في نظر ماركس علم القوانين العامة للحركة سواء في العالم الخارجي ام في الفكر البشري"([23]).

ان هذا المظهر الثوري لفلسفة هيغل هو ما تبناه ماركس و طوره. فالمادية الديالكتيكية "لم تعد بحاجة الى فلسفة توضع فوق العلوم الاخرى" وان ما تبقى من الفلسفة القديمة هو "نظرية الفكر وقوانينه- المنطق الشكلي والديالكتيك"([24]). غير ان الديالكتيك حسب مفهوم ماركس كما هو حسب مفهوم هيغل يشمل ما يسمى اليوم بنظرية المعرفة او "العرفانية" التي يجب ان تعالج موضوعها من وجهة نظر تاريخية ايضاً، وذلك بان تدرس وتعمم منشأ المعرفة وتطورها، اي الانتقال من اللامعرفة الى المعرفة.

في ايامنا دخلت فكرة النمو، فكرة التطور، على نحو كلي تقريباً في الوعي الاجتماعي. ولكن عن غير طريق فلسفة هيغل. بيد ان هذه الفكرة كما صاغها ماركس وانجلس بالاستناد الى هيغل هي اوسع جداً و اغنى جداً في محتواها من الفكرة الشائعة عن التطور. تطور يبدو كأنه يستنسخ مراحل مقطوعة سابقاً و لكن على نحو آخر وعلى درجة ارفع ("نفي النفي")، تطور على نحو لولبي اذا صح التعبير لا على نحو خط مستقيم ـ تطور بقفزات وكوارث وثورات ـ "انقطاعات في التدرج"، تحول الكمية الى كيفية ـ اندفاعات داخلية نحو التطور يثيرها التضاد والتصادم في القوى و الاتجاهات المتمايزة التي تعمل في جسم معين او في حدود ظاهرة معينة او في قلب مجتمع معين ـ تبعية متبادلة وصلة وثيقة لا يمكن فصمها بين جميع جوانب كل ظاهرة (والتاريخ يكشف دائماً عن جوانب جديدة)، صلة تحدد مجرى الحركة الوحيد المشروع الكلي. هذه هي بعض مميزات الديالكتيك بوصفه مذهباً للتطور اغنى من المذهب الشائع. (راجع رسالة ماركس الى انجلس بتاريخ 8 كانون الثاني/ جانفي 1868حيث يهزأ من "سفسطات شتاين "المشدودة" التي من الحماقة خلطها بالديالكتيك المادي).

مذهب ماركس


مذهب ماركس


الماركسية هي منهج افكار ماركس ومذهبه. لقد تابع ماركس واتم على نحو عبقري التيارات الفكرية الرئيسية الثلاثة في القرن التاسع عشر والتي تعزى الى البلدان الثلاثة الاكثر تقدماً في العالم: الفلسفة الكلاسيكية الالمانية والاقتصاد السياسي الكلاسيكي الانجليزي والاشتراكية الفرنسية المرتبطة بالتعاليم الثورية الفرنسية بوجه عام. ان ما تتصف به افكار ماركس من منطق رائع وانسجام تام انما يعترف به له حتى خصومه. وتؤلف افكار ماركس بمجموعها المادية الحديثة والاشتراكية العلمية المعاصرة بوصفها نظرية الحركة العمالية وبرنامجها في جميع البلدان المتمدنة في العالم. كل هذا يحملنا على ان نقدم لعرض المضمون الرئيسي للماركسية، مذهب ماركس الاقتصادي، بلمحة موجزة عن مفهموه للعالم بوجه عام.



المادية الفلسفية

كان ماركس قد اصبح مادياً منذ 1844-1845، اي في الفترة التي تكونت فيها افكاره: لقد كان، بوجه خاص، من اتباع فيورباخ. ولم يقر ماركس بما عند فيورباخ من نقاط ضعف حتى فيما بعد الا من حيث عدم الكفاية في منطق ماديته وشمولها. لقد كان يرى ان الشأن التاريخي العالمي لفيورباخ الذي "شغل دهراً" قائم بالضبط على مقاطعته النهائية لمثالية هيغل وتوكيده للمادية، هذه المادية التي " لم تكن في القرن الثامن عشر وخصوصاً في فرنسا نضالاً ضد المؤسسات السياسية الراهنة و كذلك ضد الدين واللاهوت وحسب بل ايضاً... ضد كل ميتافيزيائية" (بمعنى "التاملات المخمورة" وبخلاف "الفلسفة المعقولة") (كتاب "العائلة المقدسة" في "التركة الادبية")([17]). وكتب ماركس ايضاً: "يرى هيغل ان حركة الفكر، هذه الحركة التي يشخصها ويطلق عليها اسم الفكرة، هي الإله (الخالق، الصانع)... اما انا فاني ارى العكس: ان حركة الفكر ليست الا انعكاساً لحركة المادة منقولة الى دماغ الانسان ومتحولة فيه"("رأس المال" المجلد الاول. توضيح في اخر الطبعة الثانية)([18]). وعلى نحو تام الانسجام مع فلسفة ماركس المادية هذه كتب فريدريك انجلس عند شرحه لها في كتابه "ضد دوهرنغ" الذي قرأه ماركس قبل الطبع يوم كان مخطوطة: "ان وحدة العالم ليست في كيانه... بل في ماديته. وهذه المادية قد اثبتها... تطور طويل وشاق للفلسفة وعلوم الطبيعة... الحركة شكل وجود المادة. لم يوجد قط ولا يمكن ان يوجد ابداً في اي مكان مادة بدون حركة و لا حركة بدون مادة... ولكن اذا تساءلنا... عن ماهية الفكر والمعرفة وعن مصدرهما نجد انهما انتاج الدماغ الانساني وان الانسان نفسه هو نتاج الطبيعة الذي نما وتطور في محيط طبيعي معين ومع هذا المحيط. واذ ذاك يغدو من البداهة ان نتاجات دماغ الانسان التي هي ايضاً عند آخر تحليل نتاجات للطبيعة ليست في تناقض بل في انسجام مع سائر الطبيعة". " لقد كان هيغل مثالياً، اي ان الافكار في دماغه لم تكن في نظره الا صور مجردة،(في الاصل: انعكاسات، يستعمل انجلس احيانا كلمة نسخ) الى هذا الحد او ذاك، عن الاشياء والتطورات الواقعية. بل على العكس من ذلك فالاشياء وتطورها لم تكن في نظر هيغل الا صوراً تعكس الفكرة التي كانت موجودة، ولا اعلم اين، قبل وجود العالم"([19]). وقد كتب انجلس في مؤلفه "لودفيغ فورباخ" الذي عرض افكاره فيه وافكار ماركس حول فلسفة فورباخ، والذي لم يدفعه الى الطبع إلا بعد ان اعاد قراءة المخطوطة القديمة حول هيغل وفورباخ والمفهوم المادي للتاريخ الذي وضعها بالتعاون مع ماركس في 1844- 1845، يقول: "ان المسألة الاساسية العظمى في كل فلسفة ولا سيما الفلسفة الحديثة هي مسألة علاقة الفكر بالكائن او علاقة العقل بالطبيعة... ايهما يسبق الآخر العقل ام الطبيعة... وكان الفلاسفة تبعاً لاجاباتهم على هذا السؤال قد انقسموا الى معسكرين كبيرين: فاولئك الذين كانوا يؤكدون تقدم العقل على الطبيعة ويقبلون على هذا النحو في آخر تحليل بخلق العالم اياً كان نوع هذا الخلق ... الفوا معسكر المثالية. والآخرون الذين كانوا يقررون تقدم الطبيعة انتموا الى مختلف مدارس المادية." وكل مفهوم آخر للمثالية والمادية ـ بالمعنى الفلسفي ـ ليس من شأنه الا خلق البلبلة. وقد نبذ ماركس نبذاً قاطعاً، ليس فقط المثالية المقرونة ابداً الى الدين، بشكل او بآخر، بل نبذ ايضاً وجهة نظر هيوم وكانط المنتشرة خصوصاً في ايامنا هذه، والعجزية، والانتقادية، والمذهب الوضعي([20]) باشكالها المختلفة. اذ انه كان يعتبر هذا النوع من الفلسفة بمثابة تنازل "رجعي" امام المثالية، وفي احسن الاحوال بمثابة "اسلوب جبان يقبل المادية في السر وينكرها في العلن."([21]). بصدد هذا راجعوا رسالة ماركس الى انجلز المؤرخة في 12 كانون الاول/ ديسمبر 1868 التي يتحدث فيها عن محاضرة العالم الطبيعي الشهير توماي هكسلي و يلاحظ فيها ان هذا العالم قد ظهر "مادياً اكثر من العادة" واعترف "باننا ما دمنا نلاحظ فعلاً وما دمنا نفكر فلا نستطيع ان نخرج ابداً من المادية". ثم يتهمه ماركس بانه "فتح باباً سرياً " للعجزية ولنظرية هيوم. ومن المهم خصوصاً ان نسجل رأي ماركس حول العلاقة بين الحرية والضرورة: "ليست الضرورة عمياء الا ما دامت غير مفهومة. الحرية هي فهم الضرورة"(انجلس. "ضد دوهرنغ"). وهذا يعني،اذن،الاعتراف بمطابقة الطبيعة للقوانين الموضوعية، وتحول الضرورة الديالكتيكي الى حرية (كتحول "الشيء بذاته" وغير المدرك ولكنه قابل للادراك الى "شيء لنا"، تحول "جوهر الاشياء"الى "ظاهرات"). ان العيب الاساسي في المادية القديمة وفي جملتها مادية فورباخ (بالاحرى المادية "المبتذلة" عند بوخنر وفوغت وموليشوت) هو في نظر ماركس و انجلس: اولاً ـ ان هذه المادية كانت "في اساسها ميكانيكية" ولم تكن لتاخذ بعين الاعتبار آخر ما توصلت اليه الكيمياء والبيولوجيا (ومن المناسب ان نضيف اليها في ايامنا هذه النظرية الكهربائية للمادة). ثانيا ـ ان المادية القديمة لم تكن تاريخية ولا ديالكتيكية (كانت ميتافيزيقية بمعنى انها ضد الديالكتيكية) ولم تكن تطبق وجهة نظر التطور من جميع نواحيها على نحو منسجم محكم الحلقات الى النهاية. ثالثا ـ انها تفهم "جوهر الانسان" على نحو تجريدي لا بمثابة "مجموعة العلاقات الاجتماعية كافة" (التي يحددها التاريخ على نحو ملموس). وهكذا لم تقم الا "بتفسير" العالم مع ان المقصود كان "تغييره" وبتعبير آخر ان المادية القديمة لم تكن تدرك شأن "النشاط العملي الثوري".

ثوابت الشيوعية


اولا: دكتاتورية البروليتاريا ، وتعني نزع السلطة السياسية من الرأسماليين والمستغلين ووضعا بيد المنتجين - العمال والفلاحين ، وتمثل دكتاتورية البروليتاريا عماد النظرية الماركسية والصفة المميزة لها عن باقي النظريات

ثانيا: نظام الحزب الواحد ، وهو التعبير الحقوقي لنظرية الطليعة الثورية - عماد اللينينية ، وروح الاشتراكية العلمية

ثالثا: الغاء الملكية الخاصة البرجوازية - الملكية الخاصة ذات الحجمين الكبير والمتوسط - التي يتأتا منها استحصال القيمة الفائضة واستبدالها بالملكية الجماعية ، ويمثل هذا المبدء عماد الاشتراكية

رابعا: الايمان والتسليم بأن الإنتقال من الرأسمالية الى الأشتراكية لا يمكن أن يتم بالوسائل السلمية وانما فقط من طريق الثورةالمسلحة - عماد الثورية

خامسا: الأممية البروليتارية وتعني الايمان بأن الطبقة العاملة في جميع البلدان هي واحدة وترتبط عضويا بعضها بالبعض الآخر ومن واجب الشيوعيين في كل بلد أن يدعموا نظال الطبقة العاملة في البلدان الأخرى وبالتالي عدم قصر نضال الحركة الشيوعية على بلد واحد او مجموعة بلدان فقط وانما شموله لجميع انحاء العالم وضرورة التنسيق والتعاون بين الاحزاب الشيوعية والعمالية في جميع الأمم في سبيل تحقيق هدف مشترك وهو أنتصار الأشتراكية والشيوعية في كل الأرض وتوحيد الشعوب من طريق أقامة الجمهورية السوفياتية العالمية الموحدة ، ورفض أي تميز بين البشر او تقسيمهم على أساس الجنس او العرق او القومية والإيمان بالمساوات التامة بين مختلف الأمم

الخميس، 12 أغسطس 2010

الماديه الجدليه


المادية الجدلية ركن أساسي من أركان الفلسفة الماركسية، تعتمد على قوانين الدياليكتيك وبناها كارل ماركس بالاستناد إلى جدلية فلسفة هيجل ومادية فلسفة فيورباخ وكتب حولها الكثير من الكتب وابرز من كتب عنها كان ستالين. أساس الفلسفة الجدلية هو انها تعتبر ان الفكر هو نتاج المادة وان المادة ليست نتاج الفكر، ففكر الإنسان نتاج مادي من عقله وليس الإنسان من نتاج الفكر، وهو ما ينفيه الفلاسفة المثاليون
الماديون يعتقدون بأولوية المادة أما المثاليون فيعتقدون بأولوية الفكر أو الروح. ء الماديون يعتمدون على الأبحاث العلمية التي تنفي زوال المادة أما المثاليون فمنهم من يقول أن المادة ليست موجودة بل هي انعكاس لوعي الإنسان وبالتالي غير موجودة أما الماديون فيقولون إن المادة موجودة بشكل مستقل عن وعي الإنسان ويعرفون المادة بكل ما تتحسسه حواس الإنسان الخمسة بينما يقول المثاليون ان حواس الإنسان تعكس تصورات في وعي الإنسان وهي غير موجودة في الواقع بشكل مستقل عن الوعي هذا هو ما يسمى الصراع بين الفلسفة المادية وباقي الفلسفات المثالية. ان الفلسفة تفسير الوجود انطلاقا من علة خارجية، وان الوجود المادي هو انعكاس لوعي أكبر وبالتالي فان الوجود المادي هو مغاير للوجود "الروحي" أو "الغير مادي" ان هذا المفهوم يعتبر أن الوجود المادي ساكن ومخلوق ومسير من قبل "الفكر" أو "الوعي". ان الفسلفة المادية تعارض هذا التصور وتشدد على أهمية الوجود المادي في اعلاء وتوليد الفكر والوعي. ان الوعي هو انعكاس للمادة وليس العكس


ماركس قام بمزاوجة مادية فيورباخ الساكنة مع مثالية هيجل التاريخية وخرج طفل جديد يسمى المادية الجدلية هي مادية بحتة بكل ما تعني الكلمة من معنى لكنها تؤمن بالتطور وفق قوانين الدياليكتيك الثلاثة وهم:

1. نفي النفي
2. وحدة صراع المتناقضات
3. تحول الكم إلى كيف

المادية الجدلية تنفي أن تكون المادة قد خلقت من العدم وتنفي أنه يمكن أن يتم نفي المادة وكانت الأبحاث العلمية في بدايتها حيث كان يستدل بقانون مصونية الطاقة ونظرية داروين لإثبات كلامهم ولكن أصبح قانون لافوازيه يتم تدريسه في الجامعات وقانون لافوازيه المنسوب للعالم الفرنسي لافوازيه ينص بأن المادة لا تخلق من العدم ولا تفنى بل تتحول من شكل إلى آخر وهو القانون الذي ما زال مثبتاً حتى وقتنا الحاضر حيث أنه تم الوصول إلى عمق الذرة ونواة الذرة ولم يثبت إمكانية فناء المادة وما زالت حتى وقتنا الحاضر كافة المدارس تعلم الطلاب ان المواد الداخلة بالتفاعل تساوي المواد الخارجة من التفاعل حيث أن كافة العلوم ما زالت تقف إلى جانب الفلسفة المادية.

ان ماركس يعتبر ان التاريخ هو تاريخ الصراع الطبقي الذي يعتبره المحرك الأساسي للتاريخ. ان ما يسمية البناءالفوقي الذي هو الأنظمة السياسية، القيم الاجتماعية، والأديان، هي انعكاس للواقع الطبقي والمادي المعاش. ان هذا ينسجم مع النزعة المادية لتفسير التاريخ المتناقض مع النزعة المثالية لتفسير الأخير. قام ماركس بقلب ديالكتيك هيغل "رأسا على عقب". ان المادية الجدلية تعتمد أساسا على مفهوم الحركة الدائمة "الذاتية" أي عدم الحاجة إلى محرك خارجي وهي تتعارض مع المادية الكلاسيكية السكونية التي تعتبر أن الفكرة هي انعكاس سكوني للمادة. من هذا المنطلق فان المادية الجدلية تنفي الحاجة إلى محرك أولي للكون وللحياة. ان نظرية النشوء لداروين والنظريات البيولوجية الحديثة تثبت صحة المادية الجدلية.

ان نظريات ما بعد الحداثة التي تشدد على أهمية "شخصانية المعرفة" والتشكيك بموضوعية المعرفة تتحدى المادية الجدلية ولكنها بنفس الوقت تتحدى اسس المعرفة. ان المادية الجدلية تشدد على موضوعية الوجود وإمكانية دراسته باستقلالية عبر المراقبة والاختبار. لقد حذر لينين لاحقا أن السلاح الأخير في يد الامبريالية والرأسمالية هي أبستمولوجيا المعرفة التي سوف تعمل على هدم الاسس النظرية للمعرفة بسبب فشلها في ربح المعركة الفلسفية والمنطقية مع المادية الجدلية والمادية التاريخية.

فى تعريف الماركسيه


في تعريف الماركسية :
تعريفنا هنا للماركسية سيكون اقتباسات من عدة مصادر متاحة للقارئ العربي وسنحاول إجمال المصادر في نهاية كل حلقة .
الماركسية هي ممارسة سياسية ونظرية إجتماعية مبنية على أعمال كارل ماركس الفكرية ، وهو فيلسوف من أصول ألمانية من القرن التاسع عشر ، عالم إقتصاد ، صحفي وثوري شاركه رفيقه فريدريك إنجلز في وضع الأسس واللبنات الأولى للنظرية ، ومن بعدهم بدأ المفكرون الماركسيون في الإضافة وتطوير النظرية بالاستناد إلى الأسس التي أرسى دعائمها ماركس.
وجاء من بعد ماركس العديد من المفكرين والمناضلين عاشو حياتهم كاملة وبعضهم مات واستشهد من أجل تقديم وتطوير نظرية قادرة على تغيير العالم نحو الأفضل وبناء الغد الشيوعي الذي ينتهي فيه استغلال الإنسان للإنسان، إنها مرشد عمل, بوصلة لتحديد الإتجاه في الممارسة ..
ماهي الماركسية :
الماركسية هي القوانين الطبيعية التي تتحكم في حركة المجتمع منذ نشوء اول مجتمع انساني وفي مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية وستبقى تعمل طالما وجدت مجتمعات بشرية على الارض (1)
إن الماركسية نظرة علمية للعالم، وهي النظرة الوحيدة العلمية أي التي تتفق مع العلوم الاخرى التي تخبرنا أن الكون حقيقة مادية، وأن الإنسان ليس غريبا على هذه الحقيقة، وأنه يمكنه معرفتها، ومن ثم تغييرها كما تدل على ذلك النتائج العملية التي توصلت إليها مختلف العلوم.
وليست المادية الماركسية مماثلة للعلوم لأنها لا تتخصص في جانب معينا من جوانب الواقع كما تفعل العلوم بل هي تسعى لفهم العالم. (2)
ويمكننا تقسيم الماركسية لشقين أساسيين هما : المادية الجدلية والتي تعرف ب( الديالكتيك) وهي القوانين التي تحكم الطبيعة من حولنا ،اما الشق الثاني فهي المادية التاريخية وهي التي تعمل على تفسير المجتمع الانساني. والحلقات القادمة ستكون بداية مع المادية الجدلية ( الديالكتيك) ومن ثم المادية التاريخية.
الآن، لماذا نحتاج النظرية الماركسية؟
يمكننا ايجاز أسباب دراستنا للنظرية الماركسية في تفسير وتحليل ما يحدث حولنا من ظواهر وأحداث ،وذلك يشمل الأحداث السياسية والاقتصادية التي تطرأ على المجتمعات معتمدين على الأسلوب العلمي والتحليلي.
فهمنا وتحليلنا هنا يساعدنا على إيجاد الحلول والتغيير، وقد تختلف التفسيرات والتحليلات من ماركسي لآخر وذلك كله مرتبط بمدى قرب هذا الشخص من الفهم الصحيح والتحليل النظري الصحيح للحدث.
فمثلا يمكننا فهمنا للنظرية من تحليل أسباب الحرب على العراق اليوم ، صعود التيار الاسلامي في معظم الدول العربية والعمليات الإرهابية التي هزت عالمنا العربي في الشهور والأعوام الماضية ، الأسباب الحقيقة لتخلف المجتمعات العربية وعدم القدرة على الانفلات من هيمنة الدول الكبرى كما تعطينا أفقا للتعامل مع القضية الفلسطينية والصراع مع الحركة الصهيونية والموقف الامريكي منها.

البيروقراطيه


مع أن الحضارات القديمة في مصر الفرعونية أو الصين قد شهدت نوعا من البيروقراطية البدائية حيث أن المجتمعات التي تكونت على أساس العائلة والقبلية لم تكن تعرف الإدارة المعقدة وكانت أغلب الأوامر الشفوية والأعراف تنقل مباشرة دون واسطة وعليه فإن الإدارة لم تظهر إلا مع مؤسسة الدولة في نموذجها الأول ( الدولة) حيث ظهرت الحاجة إلى وجود إدارة تشرف على إيجاد الموارد المالية لتمويل حاجات الدولة وإشباع خزيتنها.
لقد توطدت البيروقراطية أكثر منذ نهاية عصر النهضة في أوربا حيث ظهرت تحولات سياسية واجتماعية وتقنية ومع تحولات القرن التاسع عشر وخصوصا ظهور الفكر الليبرالي والثورة الصناعية ركزت البيروقراطية وجودها وارتبطت فكرتها بالأساس بالتنظيم الإداري أي سلطة وحكم المكاتب ولم يفتعل ذلك أي إشكالية لحاجة الدولة إلى أجهزة ومؤسسات لإدارة دواليبها.
لكن البيروقراطية أصبحت مشكلة وأهم موضوعات علم الاجتماع السياسي عندما طرحت التساؤلات حولها في المجتمع الذي يكون فيه الشعب هو صاحب القرار لذلك لا نجد غرابة في أن يكون كارل ماركس من أوائل من وجه النقد للبيروقراطية مبينا أنها تعبير وتجسيد للدولة البرجوازية وهو يشدد الذكر على هيغل الذي يرى أن الدولة تمثل التعبير النهائي عن المصالح العامة ويرى ماركس أن هناك انفصالا بين الدولة والمجتمع، وإن أجهزة الدولة ـ البيروقراطية لا تمثل المجتمع كما أن البيروقراطية كتجسيد للمصلحة العامة تقابل المصلحة الشخصية للأفراد وهو تعارض وهمي يستخدمه البيروقراطيون لخدمة أوضاعهم الشخصية.
في حين أكد لينين على حاجة الحزب الثوري لقواعد بيروقراطية رسمية لضرورة وجود ضبط مركز قوى وديكتاتورية البروليتاريا قادرة على قيادة الحركة الثورية وهو في ذلك ينظر إليها (كمبدأ تنظيمي) إلا أن هذا الموقف تعرض لانتقادات شديدة أدى إلى دعوته في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوفياتي سنة 1912م إلى محاربة البيروقراطية وانتخاب الأفراد الذين يشغلون المناصب الإدارية.
ومن مفارقات التاريخ أن تكون الأحزاب الشيوعية الحاكمة أعتى قلاع البيروقراطية وهذا ما قتل الروح الإبداعية والتجديد، ومن ثم انهيار الأنظمة الشيوعية بشكل تراجيدى.
واعتبر (جون ستيوارت مل) أن البيروقراطية أخذت دلالات متعددة لا تقتصر على الجهاز الإداري في الدولة أي على شكل من أشكال التنظيم الحكومي بل أخذت معاني مختلفة فهي شكل من أشكال الحكم أو صفة تطلق على نظام حكم تمييزا له عن الأنظمة الأخرى كالديمقراطية والأرستقراطية.
أما ماكس فيبر- ألمع منظري علم الاجتماع السياسي - فيعد أهم من وضع نظرية حول البيروقراطية وقد عرفها من خلال خصائصها معتبرا إياها تعبيرا عن العقلانية في النظام الرأسمالي، فهي ميكانزم عمل الرأسمالية والخاصية الجوهرية لها وقد حدد تلك الخصائص بما يلي:
تقاضي أفرادها للرواتب اعتمادا على جدول مرتبات معين وتتطلب الوظيفة في الجهاز البيروقراطي إخلاصا موضوعيا والتزامات مفروضة على القائم بها وخصوصا أن هناك استقلالا نسبيا عن الدولة من خلال النظام المؤسساتي فضلا عن وجود درجة معينة من التخصيص الوظيفي وتقسيم للعمل على أساس فردي كما أن ارتباط البيروقراطية بالتكنولوجيا تساعد على تطوير وسائل فنية تيسر التبادل كالمال والتسليف والبنوك وأخيرا وليس أخرا فإن البيروقراطية تشكل الظاهرة المحورية في النسق وأساس التفاعل الاجتماعي.
لقد حثت دراسة ماكس فيبر الباحثين الاجتماعيين والسياسيين على الاهتمام بالتأثير الذي يلعبه الجهاز البيروقراطي في النسق الاجتماعي وعلى النسق السياسي بوجه خاص في المجتمعات الحديثة ومن أبرز من درس البيروقراطية بعد فيبر وأهم من كتب فيها (ميشيل كروزيه).
يعد كروزيه من الذين تناولوا البيروقراطية من خلال المدخل الإنساني حيث ربط بين تطورها وتضاؤل الحرية الفردية فهي بالنسبة له مكونة من دوائر الدولة يعمل بها موظفون معنيون ومنظمة بشكل تسلسلي وتعتمد على سلطة حاكمة.
وربما عبر كروزيه عن شعوره بالأسى لواقع البيروقراطية في أوربا على عكس فيبر الذي أضفى صفات إيجابية عليها لأنه نظر إليها في سياق الدفاع عن النظام الرأسمالي في مواجهة النظم الأخرى وخصوصا الشيوعية.
ومن ثم يرى كروزيه (أن البيروقراطية هي تنظيم لا يستطيع تصحيح سلوكه عن طريق إدراك أخطائه السابقة إذ أن القواعد التي تعتمد عليها البيروقراطية غالبا ما يستخدمها الأفراد لتحقيق أغراضهم الشخصية).
ويأتي موريس دفرجيه بعد كروزيه من حيث الأهمية وقد اعتبر دفرجيه البيروقراطية جماعة من الموظفين المهنيين يقومون بمهنة ذات مظهر خاص ويتم الدخول والتدرج والانضباط والتعويضات والمخالفات تنظيما دقيقا وتكون المنافسات ذات صفة شخصية محدودة كما تكون الكفاءات محدودة في كل الدرجات بمعايير موضوعية بواسطة الشهادات والامتحانات والمباراة وبصورة عامة يعمل التنظيم البيروقراطي بأكمله وفقا لقواعد محدودة بدقة وتكون موضوعية سواء تعلق الأمر بالعلاقات السلطوية الداخلية أو بالعلاقات مع الموظفين أو الصلات مع المتعاملين.
وبصورة عامة هناك سبعة مفاهيم حديثة للبيروقراطية كل منها يعد تطويرا لسابقه وهي:
المفهوم الأول: هو الذي ينظر إلى البيروقراطية بوصفها تنظيما عقليا وقد تأثر أنصار هذا الاتجاه بالتفسير الفيبري للبيروقراطية وحالوا فهم العلاقة بين العقلانية التي هي سمة للنظام الرأسمالي والخصائص التي حددها ماكس فيبر للبيروقراطية وتساءلوا إلى أي حد تعبر هذه الخصائص عن النظام الرأسمالي وقالوا بأنه لا توجد علاقة ضرورية بين هذه الخصائص والعقلانية وإن كلاهما لا يدخلان ضمن تعريف البيروقراطية فالعلاقة بين خصائص النظام الأاجتماعي بالذات والنتائج المترتبة عليه مسألة يحددها البحث الامبريقي (العلمي) وعموما فإن البيروقراطية من هذا المنظور تشير إلى نموذج للتنظيم الرشيد يلائم تحقيق الاستقرار والكفاءة الإدارية.
المفهوم الثاني: وهذا المفهوم يصل إلى النتيجة التي توصل إليها ميشيل كروزيه باعتبار أن البيروقراطية شيء يتعارض مع الابتكار الإداري إذ إن العرض الآلي للسلوك الإنساني الذي يشكل قاعدة البيروقراطية يؤدي إلى خلل وظيفي خطير لأن بنية المنظمة تؤدي إلى إشراف متزايد من قبل القادة على انتظام سلوكيات المرؤوسين.
المفهوم الثالث: ينطلق هذا المفهوم من المعنى الاشتقاقي للبيروقراطية أي حكم الموظفين وعليه فهو بحسب هذا المفهوم نظام حكومي تكون الرقابة عليه متروكة كلية في يد طبقة من الموظفين الرسميين الذين تحد سلطاتهم من حرية الأفراد العاديين ويغلب على هذا الجهاز الإداري الرغبة الشديدة إلى الالتجاء إلى الطرق الرسمية في الإدارة والاعتماد على المرونة من أجل تنفيذ التعليمات وكذلك البطء في اتخاذ القرارات والعزوف عن الالتجاء إلى التجارب كما يتحول أعضاء (البيروقراطية) إلى طائفة تحتكر العمل الحكومي من أجل مصلحتها الخاصة ويتحول عملها إلى غاية في حد ذاته.
المفهوم الرابع: وهو المفهوم الذي استخدمته الأنظمة ذات الطابع الشمولي التي ترى أن البيروقراطية نوع من الإدارة العامة لذلك كان الاهتمام بالجماعات التي تؤدي الوظائف أكثر من الاهتمام بالوظائف ذاتها.
إن ارتباط البيروقراطية بالإدارة العامة أصبح يمثل محاولة لاستخدامها كوحدة للتحليل في الدراسات المقارنة وأغلب الدراسات التي اعتمدت على ذلك صنفت البيروقراطية انطلاقا من مدى استغراقها في العملية السياسية.
المفهوم الخامس: وهذا المفهوم تأثر بماكس فيبر أيضا ويعتبر البيروقراطية إدارة الموظفين لذلك اهتموا بفحص كفاءة النموذج المثالي وقدرته على استيعاب كافة خصائص الإدارة وكذلك ركز على فعالية الجهاز الإداري لذلك انتشر هذا المفهوم في علم الإدارة أكثر من علم السياسة.
المفهوم السادس: وهو الذي يعتبر البيروقراطية غير مقتصرة على الجهاز الحكومي بل الذي يولد عندما ترسى أصول صريحة لتنسيق نشاطات مجموعة معينة من أجل بلوغ أغراض محددة أو أنه وحدة اجتماعية تحقق أهدافاً محددة إلا أنه يتميز- هذا التنظيم- بالتسلسل الرئاسي والتباين في التخصيص.
إلا أنه يلاحظ في هذا التعريف قد يعوم مصطلح البيروقراطية إذ إن كل المجتمعات مهيكلة في تنظيمات متباينة كما يصعب الفصل بين التنظيم والإدارة.
المفهوم السابع: وهو المفهوم الذي يعتبر أن البيروقراطية تعبير عن المجتمع الحديث كما ماركس حين أطلق عليها لفظ المجتمعات الرأسمالية التي تعتبر مرحلة متقدمة وفق التفسير المادي للتاريخ.
وذهب أنصار هذا المفهوم بعدم وجود تفرقة بين رجال الإدارة ورجال السياسة وعدم ضرورة لوجود ثنائية تقليدية تفصل الدولة والبيروقراطية أو بين المجتمع وبين وجود عدد هائل من التنظيمات الكبرى التي تجسد البيروقراطية في هيكلة الدولة الحديثة.

الأربعاء، 11 أغسطس 2010

موجز رأس المال 6


--------------

الفصل الرابع: إنتاج القيمة الزائدة النسبية


1- مفهوم القيمة الزائدة النسبية:

في يوم عمل معين، لا يمكن زيادة العمل الزائد إلا بتخفيض العمل الضروري، ويمكن بلوغ ذلك أيضا –بمعزل عن تخفيض الأجور إلى أدنى من القيمة- بإنقاص قيمة العمل، أي بتخفيض كلفة وسائل الحياة الضرورية (ص 291-293 «312-315»). ولا يمكن تحقيق ذلك، بدوره، إلا بزيادة القوى الإنتاجية للعمل، وذلك بتطوير نمط الإنتاج نفسه.
ولغرض تخفيض قيمة العمل، يتوجب على الزيادة في القوة المنتجة أن تستولي على تلك الفروع الصناعية التي تقوم منتجاتها بتحديد قيمة قوة العمل –إن وسائل العيش الاعتيادية تعوض عن هذه المنتجات وموادها الأولية.. الخ.
البرهان على أن المنافسة تجعل الزيادة في القوة الإنتاجية تتجلى في تدني سعر السلعة على الصفحات (296-299 «316-319»).
إن قيمة السلع تتناسب عكسيا مع شدة إنتاجية العمل، كما هو الحال أيضا مع قيمة قوة العمل لأنها تتوقف على أسعار السلع. أما القيمة الزائدة النسبية فتتناسب، على العكس من ذلك، طرديا مع شدة إنتاجية العمل (ص 299 «319»).
إن الرأسمالي لا يكترث بالقيمة المطلقة للسلع، بل يهتم فقط بالقيمة الزائدة المندمجة فيها. إن تحويل القيمة الزائدة إلى نقد يتضمن استرداد القيمة التي دفعها سلفا. وما دامت نفس عملية زيادة الإنتاجية تخفض قيمة السلع وترفع القيمة الزائدة التي تحتويها، استنادا إلى الصفحة 299 «320»، يصبح من الواضح لماذا يكد الرأسمالي الذي لا هم له سوى إنتاج القيمة التبادلية، من اجل خفض القيمة التبادلية للسلع.
(راجع. كويسني. ص 300 «320»).
ولهذا فإن الاقتصاد في العمل عبر تطوير القوى الإنتاجية، في الإنتاج الرأسمالي، لا يهدف بأي حال إلى تقليص يوم العمل –إذ أن الأخير قد يتعرض للتمديد. وعليه يمكن لنا أن نقرأ في كتابات الاقتصاديين من طراز ماكلوش، أور، سينيور واضرابهم [71] على إحدى الصفحات: بأن الشغيل مدين بالاعتراف بالجميل لرأس المال نظرا لقيامه بتطوير القوى الإنتاجية، وعلى الصفحة التالية نجد بأنه ينبغي على الشغيل أن يبرهن على اعترافه بالجميل عن طريق العمل 15 ساعة عوضا عن 10 ساعات في المستقبل.
إن الهدف الوحيد لهذا التطوير للقوى الإنتاجية هو تقليص العمل الضروري، وتمديد العمل الزائد من أجل الرأسمالي (ص301 «321»)
2- التعاون:
إن الإنتاج الرأسمالي استنادا إلى الصفحة (288 «309»، يتطلب رأسمالا فرديا كبيرا بما فيه الكفاية لاستئجار عدد كبير من العمال في وقت واحد، ولا يصبح رب العمل رأسماليا مكتمل النمو إلا عندما يكون هو نفسه متحررا تماما من العمل. إن نشاط عدد كبير من العمال في وقت واحد، وفي نفس الحقل من العمل، ولغرض إنتاج نفس النوع من السلعة وتحت أمرة نفس الرأسمالي، تعين تاريخيا ومنطقيا نقطة انطلاق الإنتاج الرأسمالي. (ص 302 «322»). وعلى هذا، لا يوجد بادئ ذي بدء إلا اختلاف كمي قياسا إلى الماضي عندما كان رب العمل الواحد يستأجر عددا أقل من الشغيلة. إلا أن ثمة تحويرا يطرأ في الحال.
إن العدد الكبير من الشغيلة يضمن لرب العمل، سلفا، الحصول على معدل عمل حقيقي، إلا أن الحال ليس كذلك عند رب العمل الصغير الذي يضطر مع ذلك لدفع القيمة الوسطية للعمل. وهذه الفروقات، في حالة الإنتاج الصغير، يعوض بعضها بعضا بالنسبة للمجتمع، ولكن ليس بالنسبة إلى رب العمل الصغير. ولهذا فإن قانون إنتاج القيمة الزائدة لا يتحقق بالنسبة للمنتج الفردي إلا عندما يقوم بالإنتاج كـ : رأسمالي يدفع العديد من الشغيلة للعمل في آن واحد، وهكذا يحرك معدل عمل اجتماعي (ص 203-304 «322-324»).
وبالإضافة إلى ذلك يتحقق التوفير في وسائل الإنتاج عبر الإنتاج الواسع وحده، إن نقص القيمة التي تنقلها مكونات رأس المال الثابت إلى المنتوج تنشأ فقط عن استهلاكها المشترك في سير العمل الجماعي للعديد من الشغيلة. وهذا هو السب الذي تنال به أدوات العمل الصفة الاجتماعية قبل أن ينالها سير العمل نفسه. (والعمل إلى هذا الحد ليس إلا عمليات متشابهة تجري جنبا إلى جنب) (ص 305 «325»).
إن التوفير في وسائل الإنتاج معالج هنا بمقدار ما يتعلق بجعل السلع أرخص مما هي عليه مخفضا بذلك قيمة قوة العمل. أما المدى الذي يغير به النسبة بين القيمة الزائدة وبين الرأسمال الكلي المدفوع سلفا (ث + م) فإنها لن تعالج إلا في الكتاب الثالث. وهذه التجزئة للموضوع تماشى روح الإنتاج الرأسمالي تماما، ما دام هذه الإنتاج يجعل ظروف العمل تواجه الشغيل كشيء، مستقل، ويجعل التوفير في وسائل الإنتاج يبدو للشغيل عملية غريبة ومتميزة لا تعنيه في شيء، وبالتالي ليست له أية علاقة بالطرائق (الأساليب) التي ترفع من إنتاجية قوة العمل التي يستهلكها الرأسمالي.
إن شكل العمل الذي يمارسه عدة أشخاص، في عمل جماعي منسق، يعمل فيه أحدهم إلى جانب الآخر في ذات المهنة، أو في أعمال مختلفة ولكن مترابطة، يسمى بـ: التعاون. (ص 306 «325» ديستوت دي تراسي [72]).
إن المجموع الكلي للقوى الميكانيكية للشغيلة الفرديين، يختلف جوهريا عن القوة الميكانيكية المحتملة التي تنشأ عندما تعمل أيد كثيرة سوية في وقت واحد وفي عمل واحد غير مجزأ (رفع ثقل..الخ).
إن التعاون يخلق، من البداية، قوة إنتاجية هي بذاتها قوة اجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك فإن الاتصال الاجتماعي المحض يخلق، في أغلب النشاطات الإنتاجية، روح التفاخر لدى العمال مما يرفع كفاءة كل فرد منهم، بحيث أن 12 عاملا في يوم عمل مشترك يضم 144 ساعة ينتجون عملا أكثر مما ينتجه 12 عاملا في 12 يوما مختلفا، أو أكثر مما ينتجه عامل واحد في 12 يوما متعاقبا (ص 307 «326»).
وعلى الرغم من أن مجموعة من العمال تؤدي نفس العمل، أو أعمالا متشابهة، فإن كل شغيل فرد منهم يمثل طورا مختلفا من سير العمل (سلسلة من الأفراد ينقلون شيئا أحدهم للآخر) حيث يؤدي التعاون من جديد إلى التوفير في العمل. والحال نفسه عند تشييد بناية من عدة جهات في وقت واحد. إن العامل المتحد، أو الشغيل الجماعي، له أيد وعيون من كل الجهات، وهو إلى حد معين، حاضر في كل مكان (307 «327»).
ويتيح التعاون، في سير العمل المعقد، توزيع الأعمال الخاصة وتنفيذها في آن واحد، مقلصا بذلك وقت العمل اللازم لتصنيع المنتوج برمته (ص 307 «327»).
وفي العديد من مجالات الإنتاج، هناك فترات حرجة تتطلب عددا كبيرا من العمال (الحصاد، صيد سمك الرنج. الخ) هنا، التعاون وحده يمكن أن يكون ذا فائدة. (ص 309 «328»).
إن التعاون يوسع حقل الإنتاج، من جهة، ويصبح بالتالي ضروريا للعمل الذي يتطلب اتساعا دائميا لميدان العمل (المجاري، بناء الطرق، تشييد السدود.. الخ) ويؤدي التعاون، من جهة ثابتة، إلى تضييق ميدان العمل بتركيز العمال في مكان عمل واحد مخفضا بذلك التكاليف (ص 310 «328-329»).
إن التعاون، في كافة هذه الأشكال، هو القوة الإنتاجية الخاصة ليوم العمل الواحد، وهو القوة الإنتاجية الاجتماعية للعمل. وتنشأ هذه الصفة الاجتماعية من التعاون نفسه. ففي العمل المشترك المنظم، يزيح الشغيل حدوده الفردية ويطور قابلياته.
والآن، لا يمكن للعمال المأجورين أن يتعاونوا ما لم يقم، نفس الرأسمالي باستخدامهم في آن واحد، ويدفع لهم أجورهم، ويزودوهم بأدوات العمل. ولهذا فإن مدى التعاون يتوقف على مقدار رأس المال الذي يمتلكه الرأسمالي. إن ضرورة توفر مقدار معين من رأس المال لدى شخص ما لجعله رأسماليا تصبح الآن الشرط المادي لتحويل الأعمال العديدة المبعثرة والمستقلة عن بعضها البعض إلى سير عمل اجتماعي موحد. وبنفس الطريقة، كانت هيمنة رأس المال على العمل، إلى الآن، مجرد نتيجة شكلية للعلاقة بين رأس المال والعمل، أما الآن فقد أضحت الشرط الضروري المسبق لسير العمل نفسه، فالرأسمالي يمثل التوحدي القائم في سير العمل. إن السيطرة على العمل، في التعاون، تصبح وظيفة رأس المال، وفي هذه الوظيفة يكتسب رأس المال خصائص معينة. (ص 312 «330»). وتماشيا مع هدف الإنتاج الرأسمالي (تحقيق أكبر قدر من ممكن من التوسيع الذاتي لرأس المال)، فإن هذا التسيير للعمل هو في نفس الوقت أداء أكبر استثمار ممكن للعمل الاجتماعي، ومن هنا فإنه يشتمل على العداء المحتوم بين المستغِل والمستغَل، إضافة إلى مراقبة الانتفاع المناسب بأدوات العمل. وأخيرا فإن العلاقة بين العمال العديدين تكمن خارجا عنهم، في رأس المال، بحيث أن وحدتهم الخاصة تجابههم باعتبارها سلطة الرأسمالي، باعتبارها إرادة خارجية، وهكذا فإن سيطرة راس المال مزدوجة:
(1) عمل اجتماعي لإنتاج المنتوجات. (2) عملية توسيع رأس المال لنفسه. وهو في شكله استبدادي. إن هذا الاستبداد يخلق أشكاله الخاصة به: إذ أن الرأسمالي المتحرر لتوه من العمل الفعلي بنفسه يسلم الآن الإشراف المباشر بيد مجموعة منظمة من الضباط وضباط الصف الذين هم بدورهم عمال مأجورين لرأس المال. في نظام العبودية (الرق) يحسب الاقتصاديون مصاريف الإشراف هذه بمثابة مصروفات إضافية faux fraix [73]، إلا أنهم لا يحددون، إلا بشكل سطحي أن لسيطرة رأس المال نفس الوظيفة، بقدر ما يكيف الاستثمار هذه السيطرة لمتطلباته، وبقدر ما تنشأ عن طبيعة سير العمل الاجتماعي (ص 313-314 «331-332»).
إن قيادة الصناعة تصبح من اختصاص رأس المال، مثلما أن وظائف الجنرالات والقضاة في الفترات الإقطاعية من اختصاص الملاك العقاريين. (ص314 «332»).

إن الرأسمال يشتري 100 قوة عمل فردية، وينال بالمقابل مائة قوة عمل موحدة. إلا انه لا يدفع لقاء مائة قوة عمل موحدة. وعندما يدخل الشغيلة العمل الجماعي الموحد، يكفون عن كونهم أفرادا، إنهم يندمجون في راس المال.ولهذا تظهر القوة الاجتماعية المنتجة للعمل على أنها القوة المنتجة الكامنة في رأس المال. (ص 315 «332»).
أمثلة عن التعاون لدى المصريين القدماء على الصفحة (316 «333-334»).
إن التعاون البدائي، في بدايات الحضارة لدى الشعوب التي كانت تعيش على الصيد، ولدى البدو الرحل وفي المجتمعات الهندية يستند على (1) الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج (2) الارتباط الطبيعي للفرد بقبيلته أو مجتمعه البدائي.
أما التعاون المعزول المؤقت في العصور القديمة والقرون الوسطى، وفي المستعمرات الحديثة، فهو مؤسس على السلطة والعنف المباشرين، وأغلبه قائم على (الرق) العبودية. ولكن التعاون في الإنتاج الرأسمالي يفترض، على العكس من ذلك، وجود الشغيل المأجور الحر. ويظهر هذا التعاون، من ناحية تاريخية، في تعارض مباشر مع الاقتصاد الفلاحي والإنتاج الحرفي المشتت (سواء كان منظما في طوائف أو لم يكن)، وبهذا الخصوص يظهر التعاون كشكل تاريخي خاص ومتميز بعملية الإنتاج الرأسمالي. وهو أول تغيير يمر به سير العمل بعد خضوعه لرأس المال. ولهذا يحدث في الحال ما يلي: (1) يقوم نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه كشرط تاريخي لتحويل سير العمل إلى عملية اجتماعية. (2) يقدم الشكل الاجتماعي لسير العمل نفسه كطريقة رأسمالية لاستغلال العمل بفائدة أكبر، وذلك بزيادة إنتاجيته. (ص 317 «335»).
إن التعاون، بالحدود التي تمت بها معالجته، وبشكله الأولي، يتطابق مع الإنتاج الكبير، إلا أنه لا يؤسس لنفسه شكلا ثابتا خاصا بمرحلة تاريخية معينة للإنتاج الرأسمالي، وما يزال التعاون قائما اليوم حيثما يعمل رأس المال بشكل واسع دون أن يكون هناك تقسيم للعمل، وبدون أن تلعب الآلة دورا مهما. وهكذا، على الرغم من أن التعاون هو الشكل الأساسي للإنتاج الرأسمالي بأكمله، فإن شكله الأولي يبدو كشكل خاص إلى جانب أشكاله الأخرى الأكثر تطورا (ص 318 «335»).
3- المانيفاكتورة وتقسيم العمل.
المانيفاكتورة هي الشكل الكلاسيكي للتعاون القائم على أساس تقسيم العمل، وقد كانت سائدة من سنة 1550 وحتى 1770، وهي تنشأ:
1) إما بتجميع حرف مختلفة يؤدي كل منها جزءا تفصيليا من العمل (مثال صنع العربات [74] حيث يفقد الحرفي المنفرد قدرته، شيئا فشيئا، على ممارسة حرفته برمتها، ويكتسب من جهة ثانية مهارة أفضل في عمله الجزئي. وهكذا تنقسم كامل العملية إلى مكوناتها الجزئية. (ص 318، 319 «336-337»).
2) أو بأن يقوم العديد من الحرفيين بأداء أعمال متشابهة، أو القيام بنفس العمل على شكل جماعة موحدة في المعمل نفسه، ولكن عوضا عن إنجاز الأعمال الفردية واحدة بعد أخرى من قبل شغيل واحد، يتم تجزئتها بشكل تدريجي إلى أن يجري تنفيذها من قبل عمال متعددين في وقت واحد (صناعة الإبر..الخ) وبدلا من أن يكون المنتوج نتاج حرفي واحد، يصبح الآن نتاج عمل مجموعة من الحرفيين الذين لا يؤدي أحد منهم سوى جزء تفصيلي من العملية. (ص 319، 320 «337-338»).
ولكلتا الحالتين نتيجة واحدة قوامها: جسم إنتاجي أعضاؤه كائنات بشرية. إلا أن العمل يظل ذا طبيعة حرفية لأن كل جزء من العمل الذي يمر به المنتوج ينبغي أن يكون إنجازه بواسطة اليد، ومن هنا يستبعد أي تحليل علمي حقيقي لسير الإنتاج. إن كل فرد من الشغيلة مقيد تماما بوظيفة جزئية بسبب الطبيعة الحرفية للعمل (ص 321 «337-339»).
وبهذه الطريقة يتم توفير العمل بالمقارنة مع العمل الحرفي، ويزداد هذا التوفير أكثر فأكثر بالانتقال إلى الأجيال اللاحقة. وهكذا يتطابق تقسيم العمل في المالنيفاكتورة مع نزوع المجتمعات السابقة لجعل الحرفة وراثية. طوائف ونقابات الحرفيين على الصفحات (ص 322 «339-340»). ويجري تقسيم ثانوي للأدوات من خلال تكييفها لمختلف العمليات الجزئية، 500 نوع من المطارق في برمنغهام. (ص 323-324 «341»).
إن المانيفاكتورة، إذا عولجت من زاوية تركيبها العام، ذات وجهين: إما مجرد تجميع ميكانيكي لمنتجات جزئية مستقلة (صناعة الساعات) [75]، أو سلسلة من العمليات المتصلة التدريجية في محل عمل واحد (الإبر) [76].
إن كل مجموعة من العمال، في المانيفاكتورة، تجهز المجموعة الأخرى بالمادة الأولية، وينجم عن هذا شرط أساسي، إذ يتوجب على كل مجموعة أن تنتج كمية معينة في وقت معين، فنحصل بذلك على استمرارية وانتظام وتناسق وشدة عمل من نوع مختلف تماما عما يخلقه التعاون في الحرفة المستقلة.
وهكذا نحصل على القانون التكنيكي لعملية الإنتاج: أن يكون العمل هو العمل الضروري اجتماعيا. (ص 329 «345»).
إن عدم تساوي الوقت اللازم لكل عملية فردية في المانيفاكتورة يجعل من الضروري أن تكون مجموعات العمال المختلفة ذات أحجام وأعداد مختلفة (في سباكة الحروف يلزم 4 سباكين وكسارين اثنين ودلاكا واحدا [77]).
وهكذا تقيم المانيفاكتورة نسبة رياضية ثابتة لكميات الأعضاء العديدة التي يتألف منها الشغيلة الجماعي، وعندها لا يمكن توسيع الإنتاج إلا باستخدام مركب إضافي من المجموعة بأكملها. وبالإضافة لذلك فإن وظائف: المراقبة ونقل المنتوجات من مكان لآخر..الخ.. لا تصبح وظائف منفصلة ومستقلة يشغلها عمال خصوصيون إلا بعد بلوغ الإنتاج مستوى معينا من التطور (ص 329، 330 «346»).
إن دمج المانيفاكتورات المتعددة في مانيفاكتورة موحدة يحدث أيضا، إلا أنها تفتقر، في هذه المرحلة دائما، إلى الوحدة التكنيكية الفعلية، الأمر الذي لا يتحقق إلا بظهور الآلة. (ص 331 «347-348»).
ظهرت الآلات بشكل مبكر في مانيفاكتورة متفرقة –مطاحن الحبوب ومصانع الورق..الخ.. ولكن الآلة كانت شيئا ثانويا. إن الآلة الرئيسية في المانيفاكتورة هي العامل الجماعي المندمج الذي يمتلك درجة من الكمال أعلى من العامل الحرفي المنفرد القديم. إن كل نواقص الحرفي التي تزداد وتتطور بالضرورة عند تقسيم العمل، تصبح في المانيفاكتورة الكمال بعينه (ص 333 «348-349»).
وتخلق المانيفاكتورة فروقات بين العمال الجزئيين [78] وتقسمهم إلى عمال ماهرين وعمال غير ماهرين، بل إنها تؤسس نظاما للمراتب وسلما متدرجا للأجور. (ص 334 «349»).
تقسيم العمل:
1) عمل عام ينقسم إلى زراعة وصناعة ونقل بحري..الخ..
2) عمل خاص (ينقسم إلى أنواع ثانوية).
3) عمل تفصيلي (في الورشة).
إن التقسيم الاجتماعي للعمل ينمو، كذلك، من نقاط انطلاق مختلفة:
1- في العائلة والقبيلة هناك تقسيم طبيعي للعمل وفقا لاختلافات السن والجنس. زائدا الاسترقاق الناشئ عن استخدام العنف ضد القبائل المجاورة، مما يوسع تقسيم العمل (ص 335 «351-352»).
2- في المجتمعات المختلفة: حسب موقعها ومناخها ومستواها الحضاري يجري إنتاج منتوجات مختلفة يتم تبادلها حيثما تتصل هذه المجتمعات ببعضها البعض (ص 349 «387»).
إن التبادل مع المجتمعات الأجنبية هو، إذن، أحد الوسائل الرئيسية في تحطيم الترابط الطبيعي للمجتمع نفسه عبر التطوير اللاحق للتقسيم الطبيعي للعمل (ص336 «352»).
إن تقسيم العمل في المانيفاكتورة يفترض، على هذا، درجة معينة من تطور التقسيم الاجتماعي للعمل، كما أن المانيفاكتورة تؤدي، من جهة أخرى، إلى تطوير التقسيم الاجتماعي للعمل –كما هو الحال في التقسيم الإقليمي للعمل [79] (ص 337-338 «352-353»).
ومع هذا، فإن هناك على الدوام هذا الفرق بين التقسيم الاجتماعي للعمل وبين تقسيم العمل في المانيفاكتورة وهو: أن التقسيم الأول ينتج بالضرورة سلعا، بينما العمل الجزئي لا ينتج سلعا. من هنا التركيز والتنظيم في الأخيرة (المانيفاكتورة) مقابل التبعثر والفوضى الناجمتين عن المنافسة في الأول (التقسيم الاجتماعي) (ص 339، 341 «354-356»).
التنظيم السالف للمجتمعات الهندية (ص 341، 342).
الطوائف المهنية (ص343-344 «357-359»). وفي حين أن تقسيم العمل في هذه الفترات يكون قائما في المجتمع، فإن تقسيم العمل في المانيفاكتورة هو الشكل الخاص الذي ابتدعه الإنتاج الرأسمالي.
إن الكائن الحي العامل لأداء وظيفته هو شكل وجود رأس المال في التعاون البسيط كما في المانيفاكتورة. ولهذا فإن القوة الإنتاجية الناشئة عن دمج العمال تبدو وكأنها القوة الإنتاجية لرأس المال. ولكن على حين أن التعاون يُبقي على أسلوب العمل الفردي بأكمله دون تغير، فإن المانيفاكتورة تقوم بتثويره، ويصبح العامل كسيحا، عاجزا عن صنع المنتوج بصورة مستقلة. إنه الآن مجرد ذيل لمعمل الرأسمالي. إن قدرته (الذهنية) تضمحل في جوانب عديدة، وتتوسع في مجال مهارة واحدة. ونتيجة للتقسيم المانيفاكتوري للعمل يوضع العمال وجها لوجه إزاء القوة الذهنية لسير العمل بوصفها ملكا لغيرهم وبوصفها قوة تسيطر عليهم. إن عملية عزل الشغيل هذه التي تبدأ في التعاون وتنمو في المانيفاكتورة، تكتمل تماما في الصناعة الحديثة التي تفصل العلم كقوة إنتاجية مستقلة عن العمل، وترغمه على خدمة رأس المال (ص 346 «361»)
مقتظفات إيضاحية (ص 346 «361»).
إن المانيفاكتورة، التي هم تنظيم معين للعمل الاجتماعي من جهة، ليست من جهة أخرى إلا طريقة خاصة لتوليد القيمة الزائدة النسبية (ص 350 «364»).
الدلالات التاريخية (على نفس الصفحة).
إن العقبات المعيقة لنمو المانيفاكتورة حتى في عهدها الكلاسيكي هي قلة عدد غير الماهرين بسبب غلبة الماهرين، قلة عمل النساء والأطفال بسبب مقاومة الرجال، التمسك بقوانين تدريب الحرفة إلى فترات متأخرة، حتى عندما يكون ذلك أمرا زائدا عن اللزوم، والتمردات على العمل ما دام الشغيل الجماعي لا يمتلك حتى تلك اللحظة إطارا مستقلا عن العمال أنفسهم، وهجرة العمال. (ص353، 354 «367-368»). إضافة إلى ذلك، لم يكن بوسع المانيفاكتورة نفسها أن تثوّر الإنتاج الاجتماعي برمته، أو حتى مجرد تسييره. إن أسسها التكنيكية الضيقة أضحت تناقض متطلبات الإنتاج التي خلقتها هي بنفسها، وأصبحت الآلة ضرورية، وكانت المانيفاكتورة قد تعلمت كيف تقوم بصنع هذه الآلة (ص 355 «368»).
4- الآلات والصناعة الحديثة.
آ- الآلة كآلة:
إن الثورة في نمط الإنتاج التي بدأت بـ قوة العهد المانيفاكتوري، تبدأ الآن بـ أدوات العمل.
إن كل الآلات المتطورة تماما تتألف من: 1) المحرك 2) جهاز نقل الحركة 3) الأداة أو الآلة التي تؤدي العمل. (ص 357 «373»).
انطلقت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر بظهور الآلة العاملة. إن ما يميزها هو أن الأداة فيها –بهذا الشكل المحور أو ذاك- تنتقل من الإنسان إلى الآلة وتشغلها الآلة بإدارة الإنسان.وليس من المهم لدى ظهور الآلة إذا كانت القوة المحركة قوة بشرية أو طبيعية. والفرق الجوهري بين الاثنين هو أن الإنسان
لا يستخدم غير أعضاء جسمه بينما تستطيع الآلة، في حدود معينة، أن تستخدم عددا من الأدوات على قدر الحاجة. (دولاب الغزل اليدوي يستعمل مغزلا واحدا وآلة الغزل من 12 على 18 مغزلا).
وإلى هذا الحد، ليست عجلة الغزل أو القوة التي تديرها، هي التي تتأثر بالثورة الصناعية بل أن المغزل هو الذي يتغير –ويظل الإنسان، في البداية، هو القوة المحركة والقوة التي تعطب بسرعة بذات الوقت وفي كل مكان. إن الثورة التي تحدثها الآلة العاملة، على العكس من ذلك، تجعل من اكتمال الآلة البخارية ضرورة لا مناص منها، وتقوم، من بعد ذلك بتنفيذها (ص359-360 «374-375»). وعلى الصفحات 361-362 «376-377».
في الصناعة الحديثة ثمة نوعان من الآلات:
إما (1) تعاون عدة آلات متشابهة (آلة صنع المغلفات البريدية، أنواع النسيج التي تدمج عمل عدد من العمال الجزئيين بدمج أدوات مختلفة. إن الوحدة التكنيكية في هذه الحالة ناتجة عن النقل والقوة المحركة.
أو (2) نظام الآلات، دمج آلات جزئية مختلفة (معمل الغزل). إن الأساس الطبيعي لذلك هو تقسيم العمل في المانيفاكتورة. ولكن ينشأ في الحال اختلاف جوهري. إن كل عمل جزئي في المانيفاكتورة ينبغي أن يتكيف للشغيل، أما هنا فإن ذلك لم يعد ضروريا، فبالامكان تقطيع سير العمل موضوعيا إلى مكوناته الجزئية، وهذا الأمر متروك للعلم، أو للخبرة العملية المؤسسة عليه، وتتم السيطرة عليه بواسطة الآلات. إن النسبة العددية لمجموعات العمال المختلفة التي تؤدي عملا ما، تتكرر هنا بهيئة نسبة عددية لمجموعات الآلات. (ص 363-366 «378-379»).
إن المعمل، في كلا الحالين، يؤسس جهازا أوتوماتيكيا كبيرا (لم يتم تحسينه إلى هذا المستوى إلا مؤخرا) وهذا هو شكله المناسب (ص 367 «379»). أما أكثر أشكاله اكتمالا فهو الجهاز الاتوماتيكي لصناعة الآلات الذي أدى إلى إزالة الأساس الحرفي والمانيفاكتوري للصناعة الكبرى، وبذلك تمولت الصناعة بأكثر أشكال الآلات اكتمالا. (ص 369-372 «384-386»).
العلاقة بين تثوير الفروع المتعددة للصناعة حتى تطوير وسائل الاتصال على الصفحات (371 «383»).
إن اندماج العمل في المانيفاكتورة شيء ذاتي، أما هنا فثمة كائن حي موضوعي للإنتاج الميكانيكي يجده العامل بمتناول يده، ولا يمكن أن يؤدي وظيفته إلا بالعمل الجماعي، إن الميزة التعاونية للعمل أضحت الآن ضرورة تكنيكية (ص 372 «386»).
إن القوى المنتجة التي تنبثق من التعاون ومن تقسيم العمل لا تكلف الرأسمالي شيئا. كما لا تكلفه القوى الطبيعية: البخار، الماء أي شيء أيضا. والحال نفسه مع القوى الجديدة التي يكتشفها العلم. إلا أن هذه الأخيرة غير قابلة للتحقيق إلا بواسطة أجهزة مناسبة لا يمكن إنشاءها إلا بتكاليف باهظة، وكذلك الآلات العاملة فهي تكلف الرأسمالي أكثر من الأدوات القديمة. غير أن لهذه الآلات حياة أطول، وحقل إنتاج أكبر جدا من الأداة اليدوية، وعليه فإن الآلات تنقل إلى المنتوج كمية أقل من القيمة بالنسبة إلى القيمة التي تنقلها الأداة اليدوية، من هنا فإن الخدمة الجليلة التي تؤديها الآلة (والتي لا تعود إلى الظهور في قيمة المنتوج) أعظم بكثير من خدمة الأداة اليدوية (ص 374-376 «487-390»).
إن انخفاض التكاليف بتركيز الإنتاج، في الصناعة الحديثة، أكبر بكثير من انخفاضها في المانيفاكتورة (ص 375 «388»).
إن أسعار السلع المنجزة تبرهن على أن الآلة قد خفضت تكاليف الإنتاج، وأن مقدار القيمة الناشئ عن أدوات العمل ينمو بصورة نسبية، إلا أنه يهبط بصورة مطلقة. إن إنتاجية الآلة تقاس بمقدار قوة العمل البشري التي تعوض عنها. أمثلة: (377-379 «390-392»).
إذا افترضنا أن محراثا بخاريا يحل محل 150 عاملا يتقاضون أجرا سنويا قدره 3000 جنيه، فإن هذا الأجر السنوي لا يمثل كل العمل الذي أنجزوه، بل يمثل فقط مقدار العمل الضروري –لأنهم يقدمون بالإضافة إلى ذلك عملا زائدا. فإذا كانت كلفة المحراث البخاري 3000 جنيه، فإن هذا المبلغ هو، على أية حال، التعبير بالنقد عن كل العمل المتجسد في المحراث. وهكذا إذا كانت تكاليف الآلة بقدر تكاليف قوة العمل التي تعوض عنها، فإن العمل البشري المتجسد في هذه الآلة هو، على الدوام، أقل بكثير من العمل البشري الذي تعوض عنه الآلة (ص 380 «392»).
إن الآلة كوسيلة لخفض تكاليف الإنتاج، ينبغي أن تكلفنا عملا أقل من العمل الذي تعوض عنه، ولكن لا بد أن تكون قيمة هذه الآلة بالنسبة لرأس المال أقل من قيمة قوة العمل الذي تحل محله. ولهذا فإن الآلات التي لا تكون نافعة في انجلترا قد تكون نافعة في أمريكا (مثال: كسارة الصخر). وعليه، ونتيجة لبعض التقييدات القانونية، فإن الآلات التي لم تكن نافعة لرأس المال من قبل تظهر إلى الوجود على نحو مفاجئ (ص 380-381 «393-394»).
ب- استملاك قوة العمل بواسطة الآلة
ما دامت الآلة تحتوي في ذاتها على القوة المحركة لها، فإن قيمة القوة العضلية تهبط. تشغيل النساء والأطفال يؤدي إلى الزيادة الفورية في عدد العمال المأجورين عبر تجنيد أفراد الأسرة الذين لم يسبق لهم أن عملوا لقاء أجور. وهكذا فإن قيمة قوة عمل رب الأسرة تتوزع على قوة عمل الأسرة برمتها. أي أن هذه القيمة تنخفض. وينبغي الآن أن يقوم أربعة أشخاص بدلا من واحد لا بإنجاز العمل وحده بل لتقديم العمل الزائد أيضا لرأس المال، لكي تتمكن هذه الأسرة الواحدة من العيش. وهكذا فإن درجة الاستغلال تزداد سوية مع ازدياد مادة الاستغلال. (ص 383 «395»).
كان بيع وشراء قوة العمل، في السابق، علاقة بين أشخاص أحرار، والآن يباع القاصرون والأطفال، إن العامل يبيع الآن زوجته وأطفاله –إنه يصبح تاجر رقيق. أمثلة (ص 384-385 «396-397»). التلف الجسماني –فناء أطفال العمال (ص 386 «397-398»). الانحطاط الأخلاقي. (ص 389 «399»).
تشريع قانون عدم استخدام الأطفال قبل إكمال الدراسة الابتدائية ومقاومة مالكي المانيفكتورات على الصفحات (390 «399-400»).
دخول النساء والأطفال إلى الصناعة أخيرا، يسبب انهيار مقاومة العمال الذكور ويخضعهم لاستبداد رأس المال. (ص 391 «402»).
إذا كانت الآلة تقلص وقت العمل الضروري لإنتاج سلعة ما، فإنها تصبح سلاحا فعالا بيد رأس المال لتمديد يوم العمل بعيدا إلى ما وراء الحدود الطبيعية. إنها تخلق شروطا جديدة تمكن رأس المال من تحقيق ذلك من جهة، وتخلق دوافع جديدة للقيام بذلك من جهة أخرى.
إن للآلة حركة لا متناهية، إلا أنها تتقيد بضعف ومحدودية قوة العمل البشري الذي لها العون.
إن الآلة التي تتلف بعمل عشرين ساعة يوميا خلال سبع أعوام ونصف تمتص للرأسمالي نفس الكمية من العمل الزائد الذي تمتصه آلة أخرى تتلف بعمل عشر ساعات يوميا خلال خمسة عشر سنة، إلا أن الأولى تحقق ذلك في نصف الوقت (ص 393 «404»).
التخفيض المعنوي لقيمة الآلة-بالآلات التي تحل محلها [80] يكون أقل خطرا عندما تكون مدة إنتاج القيمة الكلية لهذه الآلة أقصر (ص 394 «404-405»).
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن امتصاص كمية أكبر من العمل بدون زيادة الأموال الموظفة في بناء الآلات، وهكذا ليست القيمة الزائدة وحدها تكبر بإطالة يوم العمل، بل إن النفقات اللازمة للحصول عليها تقل بنفس النسبة. وهذا الأمر كبير الأهمية بقدر ما تسود نسبة رأس المال الثابت على نطاق واسع، كما هو الحال في الصناعة الكبرى (395 «405»).
خلال المرحلة الأولى لظهور الآلة، والتي تكتسب فيها الطابع الاحتكاري تكون الأرباح هائلة، ومن هنا التعطش للمزيد بواسطة التمديد غير المقيد ليوم العمل. إلا أن فوائد احتكار الفرع الصناعي الواحد للآلة يضمحل بدخولها الصناعة على نطاق واسع، ويعود القانون لتوكيد نفسه بأن القيمة الزائدة لا تنبعث من العمل الذي تعوض عنه الآلة، بل من العمل الذي تستخدمه الآلة، أي من رأس المال المتغير ولكن رأس المال المتغير في ظل الإنتاج الآلي يخضع بالضرورة للتقليص بسبب النفقات الباهظة. ثمة إذن تناقض داخلي في الاستخدام الرأسمالي للآلة. فبالنسبة لكتلة معينة من رأس المال تقوم الآلة بزيادة أحد العوامل المنتجة للقيمة الزائدة، أي معدلها وذلك بتخفيض العامل الآخر، أي عدد العمال. وحالما تصبح السلعة المنتجة بواسطة الآلة هي المنظم للقيمة الاجتماعية لجميع السلع الأخرى من ذات النوع، فإن هذا التناقض يظهر إلى النور، ويؤدي من جديد إلى إطالة يوم العمل. (ص 397 «407»).
إلا أن الآلة، في الوقت الذي تسرح العمال الذين حلت محلهم، إضافة إلى تجنيدها النساء والأطفال، تخلق فيضا في السكان العاملين، الأمر الذي يتيح لرأس المال إخضاعهم لقانونه. ومن هنا فإن الآلة تحطم كل القيود الأخلاقية والطبيعية ليوم العمل. ومن هنا تنشأ هذه المفارقة الاقتصادية، وهي أن أكبر الوسائل لتقصير وقت العمل هي نفس الوسائل التي لا تخطئ في تحويل جميع لحظات الحياة للعامل وأسرته إلى وقت عمل مكرس لتوسيع قيمة رأس المال.(398 «408»).
ولقد سبق أن رأينا كيف أن رد الفعل الاجتماعي إزاء ذلك يأتي على شكل تحديد يوم عمل اعتيادي، وبسبب هذا تتطور الآن زيادة شدة العمل. (399 «409»).
في أول الأمر، ومع اتساع التقدم الآلي، تزداد شدة العمل في آن واحد مع تمديد وقت العمل. ولكن سرعان ما يتم بلوغ النقطة التي ينفيان فيها أحدهما الآخر. والأمر، على أية حال، يختلف إذا كان وقت العمل محددا. ففي هذه الحالة لا يمكن للشدة إلا أن تنمو، إذ يمكن في عشر ساعات أداء عمل بقدر ما يتم أداؤه في 12 ساعة أو أكثر، ويقاس يوم العمل الأكثر شدة بالقوة الأعلى التي بلغها، ولا يقاس بمدته وحدها، بل بدرجة شدته (ص 400 «409»). وهكذا ففي خمس ساعات عمل ضروري وخمس ساعات عمل زائد يمكن الحصول على نفس القيمة الزائدة التي نحصل عليها من 6 ساعات عمل ضروري و 6 ساعات عمل زائد ولكن بشدة عمل أوطأ. (ص 400 «410»).
كيف تمت زيادة شدة العمل؟
(هامش 159 ص 401 «ص 411 هامش رقم (1)»). في المانيفاكتورة وفي صناعة الخزف مثلا..الخ.. تمت البرهنة على أن تقليص يوم العمل يكفي وحده لرفع الإنتاجية بصورة هائلة.. وكان ذلك مشكوكا فيه في العمل الآلي. إلا أن ر.غاردنر برهن عليه [81] (ص 401-402 «411-412»).
وحالما يصبح يوم العمل المقصر قانونيا حتى تصبح الآلة وسيلة لاعتصار المزيد من شدة العمل من الشغيل، إما بزيادة ساعة عمل الآلة، أو بتقليل الأيدي التي تعمل بها. أمثلة (403-407 «412-416»). وقائع عن اغتناء أصحاب المعامل وتوسع عدد المعامل لدى تحديد يوم العمل. (ص 407-409 «416-418»).
ج- المعمل في شكله الكلاسيكي.
في المعمل تتولى الآلة استعمال الأداة [82] بالشكل المناسب، وهكذا فإن الفروق المميزة للأعمال المختلفة التي تطورتفيالمانيفاكتورةتصبحهنا لاغية، وتنزع الأعمال المختلفة إلى المساواة أكثر فأكثر، ولا تبقى سوى الفروق في الجنس والسن. إن تقسيم العمل هنا يتخذ شكل توزيع العمال على آلات متخصصة. وليس هناك تقسيم للعمل إلا بين العمال الرئيسيين المنهمكين فعلا في تشغيل الأدوات وبين مساعديهم المطعمين [83] (Feeders) (ويصدق هذا على المغزل المنفرد، وينطبق بدرجة أقل على آلة الغزل القديمة، إلا انه نادرا ما يصح بالنسبة للنول الآلي). وإلى جانب هؤلاء هناك فئة من المشرفين والمهندسين والميكانيكيين والقائمين بالتخزين..الخ وهم فئة لا ترتبط بالمعمل إلا بصورة خارجية (ص 411-412 «420»).
إن ضرورة تهيأة العامل لمتابعة الحركة المستمرة للآلة الاوتوماتيكية يتطلب تدريبه من الطفولة، ولكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال تقييد العامل إلى وظيفة جزئية واحدة طوال حياته كما في المانيفاكتورة. إذ يمكن أن يجري تغيير طاقم العمال الذين يعملون على آلة معينة (نظام المناوبة).
وبسبب الجهد البسيط اللازم للتعلم فإن بالامكان نقل العمال من آلة معينة إلى آلة أخرى. كما أن الخدمات التي يؤديها العمال لرعاية الآلة إما بسيطة جدا أو أن الآلة نفسها تتولى أداء ذلك شيئا فشيئا. ومع هذا يظل تقسيم العمل المانيفاكتوري في البداية، قائما كتقاليد موروثة. وتتحول هذه التقاليد نفسها، إلى سلاح استغلالي فعال بيد رأس المال. ويصبح العامل جزءا من آلة جزئية طوال حياته. (413 «422-423»).
إن الإنتاج الرأسمالي برمته، باعتباره ليس عملا إنتاجيا محضا بل عمل لتوسيع قيمة رأس المال، فإن له هذه الخاصية المشتركة، وهي: ليس العامل هو الذي يستخدم وسائل العمل، بل بالعكس، إن أدوات العمل هي التي تستخدم العامل، إلا أن هذا الانقلاب لا يتحقق على شكل واقع تكنيكي ملموس إلا باستعمال الآلة. وباكتساب أدوات العمل الحركة الاوتوماتيكية فإنها تواجه، بنفسها الشغيل، خلال سير العمل، على أنها رأس المال، ذلك العمل الميت الذي يهيمن ويمتص العمل الحي حتى الجفاف. وتجابهه القوى الذهنية لسير الإنتاج، كذلك، بمثابة سلطة رأس المال على العمل.. إن مهارة الشغيل الجزئية تضمحل كشيء ثانوي إزاء الآلة والعلم والقوى الطبيعية الهائلة، وضخامة العمل الاجتماعي التي تتجسد كلها في النظام الآلي (ص 414-415 «423»).
نظام المصانع الشبيه بنظام الثكنات، قوانين الانضباط في المعمل (ص 416 «424-423»). الشروط المادية للعمل (ص 417-418 «425-427»).
د- العمال يناهضون الآلة ونظام المعامل.
إن هذا الصراع الذي ظهر إلى الوجود منذ انبثاق العلاقات الرأسمالية، يندلع أول الأمر كتمرد مضاد للآلة باعتبارها الأساس المادي لنمط الإنتاج الرأسمالي. ثورة العمال ضد آلات نسج الشرائط والوشاحات (ص 219 «427-428»).
حركة اللوديت [84] (ص 420 «428-429»).
ولا يتوصل العمال إلى التمييز بين الوسائل المادية للإنتاج وبين الشكل الاجتماعي لاستثمارها إلا فيما بعد.
إن تقسيم العمل المحسن في المانيفاكتورة، كان، بالاحرى، وسيلة مثمرة للتعويض عن نقص قدرات العمال. (ص 421 «429»). (التغييرات الفجائية في الزراعة). طرد العمال الزراعيين (ص422 «430»). أما الآلة فإنها تقصي العمال بالفعل، إنها تزاحم العامل بصورة مباشرة. أزمة حائكي النسيج اليدوي. (ص 423 «431»). الحال نفسه في الهند (ص 424 «432»).
إن هذا التأثير يظل مستديما ما دامت الآلة تستولي باستمرار على حقول الإنتاج الجديدة. إن الشكل المستقل الذاتي الذي يمنحه الإنتاج الرأسمالي لأدوات العمل ضد الشغيل، يتطور بظهور الآلة إلى عداء مستحكم، ومن هنا ثورة الشغيل ضد أدوات العمل في البداية. (ص 424 «432»).
تفاصيل عن العمال الذين قامت الآلة بإقصائهم (ص 425-426 «433-435»). الآلة كوسيلة لتحطيم مقامة العمال لرأس المال وذلك بطردها إياهم (ص 427-428 «435-437»).
يزعم علماء الاقتصاد الليبراليون أن الآلة بإقصائها العمال تقوم في ذات الوقت بتحرير رأس المال المخصص لاستخدامهم.
ولكن حقيقة الأمر، على أية حال، هي على النقيض من ذلك، لأن أي استخدام للآلات يقيد رأس المال ويخفض جزءه المتغير ويرفع جزءه الثابت، وعليه فإن الآلة لا تفعل شيئا غير تقييد طاقة رأس المال على استخدام العمل المأجور. وفي الحقيقة –وهذا ما يقصده أتباع الاقتصاد البرجوازي- ليس رأس المال هو الذي يتحرر بهذا الأسلوب، بل أن وسائل عيش العمال المطرودين هي التي تتحرر، إن وسائل العيش تقطع عن العمال. وهذا ما يعبر عنه الاقتصاديون البرجوازيون بقولهم أن الآلة تيسر للعامل وسائل العيش. (ص 429-430 «438-439»).
ويتطور هذا الوضع إلى ابعد من ذلك (لحسن حظ صحيفة فورتنايتلي) (ص 431-432 «439-441»). إن العداء الذي لا ينفصم عن الاستخدام الرأسمالي للآلة ليس موجودا في نظر أتباع الاقتصاد البرجوازي، ذلك لأن هذا العداء لا ينبثق عن الآلة كشيء، بل من الطريقة الرأسمالية لاستخدامها.
إن الإنتاج يتوسع بواسطة الآلات، بصورة مباشرة وغير مباشرة، ومن هنا الزيادة الممكنة في عدد العمال المستخدمين حتى الآن: عمال المناجم، العبيد في ولايات القطن..الخ.. ومن جهة ثانية، الاستعاضة عن الاسكتلنديين والايرلنديين بالخراف وذلك لملائمة متطلبات معامل الصوف (ص 433-434 «444-443»).
إن الإنتاج الآلي يوصل التقسيم الاجتماعي للعمل إلى أبعد مما فعلته المانيفاكتورة (ص 435 «444»).
ه- الآلة والقيمة الزائدة
إن النتيجة الأولى للنظام الآلي هي: زيادة القيمة الزائدة سوية مع ازدياد مقدار المنتوجات التي تتجسد فيها، والتي تعيش عليها الطبقة الرأسمالية وحاشيتها، وهكذا يزداد عدد الرأسماليين، وتظهر حاجات جديدة منة الترف مع وسائل إشباعها. وينمو الإنتاج المترف، كما تتطور وسائط المواصلات (التي لا تمتص، على أية حال، سوى جزء من قليل من قوة العمل في البلدان الأكثر تطورا). (شواهد ص 436 «445»)، وأخيرا، نمو طبقة الخدم، عبيد البيوت الحديثين الذين يتم تجهيزهم من قبل المطرودين «من العمال» (ص 437 «446»). إحصائيات. تناقضات اقتصادية (ص 437 «446»).
احتمال الزيادة المطلقة في مقدار العمل، بأحد فروع الأعمال بسبب الآلات، شروط هذه العملية على الصفحات (439-440 «449»).
المرونة الهائلة، قدرة الصناعة الكبرى على التوسيع المفاجئ إلى درجة أعلى من التطور، على الصفحات (441 «450-451»).
نتائج ذلك على البلدان المنتجة للمواد الأولية. هجرة العمال بسبب التسريح من العمل. التقسيم العالمي للعمل إلى دول صناعية وأخرى زراعية. –التكرار الدوري للأزمات والازدهار (ص 442 «451»). دفع وجذب العمال في عملية التوسع هذه. (ص 444 «454»). معلومات تاريخية عن ذلك (ص 445-449 «455-459»).
إلغاء الآلات للتعاون والمانيفاكتورة والمراحل الوسطية الانتقالية (ص 450-451 «459-460»). إلغاء المؤسسات التي لا تعمل وفق نظام المعامل والفروع الصناعية التي لها روح الصناعة الكبرى-الصناعة البيتية: قسم خارجي للمعمل (ص 452 «461»). إن الاستغلال في الصناعة البيتية والمانيفاكتورة الحديثة أكثر (وقاحة) من الاستغلال في المانيفاكتورة القديمة (ص 452 «461»). أمثلة: مطابع لندن (ص 453 «462-463»). تجليد الكتب، تقنية الخرق [85] (ص 454 «463»). صنع الآجر (القرميد) (ص 455 «463-464»). المانيفاكتورة الحديثة بشكل عام (ص 456 «465»). الصناعة البيتية: صنع المخرمات (الدانتيل) (ص 457-459 «466-468»). حياكة القش (ص 460 «468-469»).
الإنتقال من الصناعة البيتية إلى الإنتاج بواسطة المعامل وبلوغ الحدود القصوى لقابلية الاستغلال: كما في صناعة الألبسة بواسطة آلات الخياطة (ص462-466 «470-474»). التعجيل بهذا الانتقال بتوسع قانون المصانع الإلزامي الذي أنهى الروتين القديم الذي يرتكز على الاستغلال غير المقيد (ص 466 «475»).
أمثلة: صناعة الخزف (467 «475-476»). عيدان الثقاب (468 «476»). إضافة إلى ذلك، تأثير قانون المصانع على العمل غير المنظم الناجم عن عادات العمال غير المنتظمة، وعن تباين الفصول والتقاليد. (470 «478»). الشغيل الزائد إلى جانب الكسل في الصناعة البيتية والمانيفاكتورة بسبب تباين الفصول. البنود الصحية في قانون المصانع. (ص 473 «481-480»). البنود الصحية في قانون المصانع. (ص 473 «481-480»). البنود الثقافية (475 «482-483»). طرد العمال بسبب السن، حالما يصيبهم الكبر. إنهم لم يعودوا ملائمين للعمل، وليس بوسعهم العيش على أجور الأطفال، في حين أنهم لم يتعلموا مهنة جديدة في ذات الوقت (477- «484-485»).
نهاية الغموض، ونهاية التحجر التقليدي للمانيفاكتورة والحرفة التقليدية على يد الصناعة الحديثة التي حولت سير الإنتاج إلى تطبيق واع للقوى الطبيعية. ولهذا فإنها وحدها ثورية بالمقارنة مع الأشكال السابقة. (ص 479 «486-487»). إلا أنها كشكل رأسمالي، تدع التقسيم المتحجر للعمل قائما بالنسبة للعامل، وبما أنها تثوّر الأسس السابقة يوميا، فإنها تصيب العامل بالخراب. ومن جهة أخرى، ففي هذا بالذات، في هذا التغيير الضروري في نوع فعالية العامل الواحد ذاته تكمن ضرورة أن يكون العامل متعدد المهارات قدر الامكان، وكما تكمن في ذلك إمكانيات الثورة الاجتماعية (480-481 «487-488»).
الحاجة إلى شمول التشريع الصناعي كافة الفروع التي لا تدخل في صفوف المعامل. (ص 482 هوامش «489»). قانون سنة 1867 (485 «493»). المناجم. هامش (486 «495-503»).
التأثير المركز لقانون المصانع: تعميم الإنتاج بواسطة المعامل، وبذلك يتم تعيين الشكل الكلاسيكي للإنتاج الرأسمالي، احتداد التناقضات الداخلية، ونضوج عناصر تهديم المجتمع القديم، وعناصر بناء الجديد.
(ص 488-493 «498-503»).
الزراعة: إن تسريح العمال بدخول الآلة يكون هنا أكثر حدة بحلول الشغيل المأجور محل الفلاح. خراب المانيفاكتورة البيتية في الريف. احتداد التضاد بين المدينة والريف. ضعف وتبعثر الشغيلة في الريف، في حين يصبح عمال المدن متمركزين، وعليه فإن أجور العمال الزراعيين تنخفض إلى الحد الأدنى. ويتم في نفس الوقت نهب التربة: إن ذروة نمط الإنتاج الرأسمالي هي استنزاف كل مصادر الثروة: التربة والشغيل. (ص 493-496 «504-407»).