كيف تصنع ايديولوجيتك

ايديولجيتك = مبدأك = افكارك = شخصيتك = مستقبلك

ابحث عن المعنى الغائب هنـــــــــا

الأربعاء، 11 أغسطس 2010

موجز رأس المال 1



موجز رأس المال



فريدريك انجلز

ترجمة فالح عبدالجبار


------------

القسم الأول: ثلاث مقالات عن الجزء الأول


(أولا) رأس المال لكارل ماركس [44]

1-

طالما كان هناك رأسماليون وعمال على وجه الأرض. لم يظهر كتاب بالغ الأهمية للعمال مثل الذي بين أيدينا. إن العلاقة بين رأس المال والعمال، وهي المحور الذي يرتكز عليه كامل نظامنا الاجتماعي الراهن، وتُعالج هنا ولأول مرة بصورة علمية وبشمول ودقة لا يمكن أن تحقق إلا على يد ألماني. ثمينة هي كتابات أوين وسان سيمون وفورييه وستبقى كذلك إلا أن مهمة تسلق الذرى كانت محفوظة لألماني، تلك الذرى التي نطل منها على حقل العلاقات الاجتماعية الحديثة لرؤيته بجلاء وبمنظور شامل تماما مثلما يشخص المراقب الذي يقف في الأعالي بنظره إلى مشهد جبل واطئ.
لقد علمنا الاقتصاد السياسي، حتى الآن، أن العمل هو مصدر كل أنواع الثروات ومقياس كل القيم بحيث أن شيئين تتطلب إنتاجهما نفس زمن العمل يمتلكان نفس القيمة، ويمكن بالتالي مبادلتهما ببعضهما ما دامت القيم المتساوية بشكل عام، قابلة للتبادل. ويعلمنا في ذات الوقت بأن هناك نوعا من العمل المتراكم يطلق عليه، رأس المال، وأن رأس المال هذا يرفع القدرة الإنتاجية للعمل الحي، لما يحتويه من مصادر المعونة مائة أو ألف مرة، ويطالب بدوره بتعويض معين يصطلح عليه بالربح أو الكسب. إن هذا كما نعرف جميعا، يحدث في الواقع بطريقة من الطرق تجعل أرباح العمل الميت (المتراكم) تتضخم أكثر فأكثر، ورأس المال يتنامى، في حين أن أجور العمل الحي تتناقص على الدوام وجماهير العمال التي تعيش على الأجور وحدها تتزايد عددا وادقاعا. كيف نحل هذا التناقض؟ كيف تبقى للرأسماليين أرباح إذا كان العامل يسترجع كامل قيمة العمل الذي يضيق إلى المنتوج؟ وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال ما دامت القيم المتساوية وحدها قابلة للتبادل. ومن جهة أخرى، كيف يمكن تبادل القيم المتساوية، كيف يتلقى العامل القيمة الكاملة لمنتوجه إذا كان هذا المنتوج، كما يعترف العديد من علماء الاقتصاد، مقسما بينه وبين الرأسمالي؟ لقد وقف علم الاقتصاد عاجزا بوجه التناقض عارضا أو متمتما بعبارات خالية من المعنى.حتى الاشتراكيين السابقين الذين انتقدوا علم الاقتصاد لم يكونوا قادرين على تحقيق شيء أكثر من التوكيد على التناقض، ولم يقم أحد بحله إلى أن أتى ماركس متعقبا عملية نشوء الربح منذ ولادته، وبذلك جعل كل شيء في غاية الوضوح. يبدأ ماركس، في تتبعه لمجرى تطور رأس المال، من الحقيقة البسيطة، الجلية، السيئة الصيت، والقائلة بأن الرأسماليين يحولون رأسمالهم إلى وسيلة ربح عبر التبادل: فهم يشترون بأموالهم سلعا يبيعونها فيما بعد لقاء مال أكثر من كلفتها. وعلى سبيل المثال، يشتري الرأسمالي قطنا بمبلغ (1000) تالر ويبيعه من ثم لقاء (1100) تالر، رابحا بذلك (100) تالر. إن المائة تالر الزائدة عن رأس المال الأصلي هي التي يسميها ماركس: القيمة الزائدة. من أين تنبع هذه القيمة الزائدة؟ استنادا إلى فرضية الاقتصاديين، القيم المتساوية وحدها قابلة للتبادل. وهذا صحيح في حقل النظرية المجردة. من هنا، فإن شراء القطن وبيعه من جديد لا ينتج قيمة زائدة إلا بقدر ما ينتج عن إبدال تالر فضي بثلاثين غروشن فضي، وإعادة استبدال الغروشنات الفضية، من جديد، ب تالر فضي، وهي عملية لا يصبح المرء معها ثريا ولا فقيرا. كما أن القيمة الزائدة لا تأتي من بائعين يبيعون سلعا أعلى من قيمتها أو مشترين يشترون سلعا أدنى من قيمتها، لأن كلا منهم يكون بدوره بائعا ومشتريا، ولذا فإن العملية تتوازن من جديد. ولا تنبثق القيمة من باعة ومشترين ينهبون بعضهم البعض بصورة متبادلة، لأن ذلك لن يخلق أية قيمة زائدة جديدة بل يوزع رأس المال الموجود بنسب مختلفة على الرأسماليين. إلا أن الرأسمالي، مع هذا، يستخلص من العملية قيمة أكبر مما وضع فيها.كيف يحد ذلك؟
في ظل الشروط الاجتماعية الراهنة، يجد الرأسمالي، في سوق البضائع، سلعة لها خاصية غريبة تتميز بأن استخدامها يصبح مصدرا لقيمة جديدة، أي خالقا لقيمة جديدة، أي خالقا لقيمة جديدة. هذه السلعة هي: قوة العمل.
ما هي قيمة قوة العمل؟ إن قيمة أي سلعة تقاس بالعمل اللازم لإنتاجها. إن قوة العمل موجودة على شكل عامل حي بحاجة إلى كمية معينة من وسائل العيش لنفسه ولعائلته تؤمن استمرار وجود قوة العمل حتى بعد موته. من هنا، فإن وقت العمل الضروري لإنتاج وسائل العيش يمثل قيمة قوة العمل. يدفع الرأسمالي للعامل أجرا أسبوعيا، فيشتري بذلك حق استخدام قوة العمل طوال الأسبوع. إلى هذا الحد سوف يتفق السادة الاقتصاديون معنا اتفاقا تاما بخصوص قيمة قوة العمل.
يشرع الرأسمالي الآن بتشغيل العامل. ولكن، في وقت معين يكون العامل قد أنجز عملا يمثل أجره الأسبوعي. ولنفترض أن الأجر الأسبوعي للعامل يمثل عمل ثلاثة أيام. فإذا باشر العمل صباح الاثنين، فإنه يعوض الرأسمالي في مساء الأربعاء القيمة الكاملة للأجر المدفوع. ولكن هل يكف حينذاك عن العمل؟ لا أبدا. لقد اشترى الرأسمالي قوة عمل أسبوع وينبغي على العامل أن يتابع العمل طوال الأيام الثلاثة الباقية. هذا العمل الزائد، الأعلى والأكثر من الوقت الضروري للتعويض عن الأجر، هو مصدر القيمة الزائدة، مصدر الربح، مصدر النمو المطرد لتراكم راس المال.لا تقولوا أن افتراضنا بأن العامل يعيد، في ثلاثة أيام، الأجور التي تلقاها، ويعمل الأيام الثلاثة المتبقية للرأسمالي، هو افتراض اعتباطي. لأنه إذا كان العامل يستغرق ثلاثة أيام أو يومين أو أربعة أيام بالضبط للتعويض عن أجره فإن تحديد ذلك ليس مهما بالطبع، ويتوقف على الظروف، النقطة الجوهرية هي أن الرأسمالي يقتطع عملا غير مدفوع الأجر، إلى جانب العمل الذي يدفع لقاءه، وهذا ليس افتراضا اعتباطيا،لأنه إذا كان الرأسمالي قد تلقى من العامل، عبر فترة طويلة من الزمن عملا يساوي الأجور التي دفعها،فأن الرأسمالي سوف يغلق مصنعه،لأن الربح الناتج بأكمله سوف يكون صفرا.
هنا يكمن حل جميع هذه التناقضات. لقد أضحى منبع القيمة الزائدة (التي يشكل ربح الرأسمالي جزء مهما منها) الآن جليا وطبيعيا.
إن قيمة قوة العمل مدفوعة الآن، ولكن هذه القيمة أقل بكثير من تلك القيمة التي يقتطعها الرأسمالي من قوة العمل، والفرق بين الاثنين أي العمل غير المدفوع، هو الذي يؤلف بالضبط نصيب الرأسمالي، أو بصورة أدق نصيب الطبقة الرأسمالية. حتى الربح الذي يحققه تاجر القطن في المثال المذكور سلفا،لا بد أن يحتوي على عمل غير مدفوع، إذا كانت أسعار القطن لم ترتفع. ولا بد أن التاجر قد باع قطنه إلى أحد صناعيي النسيج الذي يمكنه أن يستخلص لنفسه ربحا معينا إلى جانب المائة تالر، ويستطيع بالتالي أن يقتسم مع التاجر هذا العمل غير المدفوع الذي وضعه في جيبه. داعمل غير مشروع اصلا لا يقوم عليه الراسماليه وبصورة عامة، فإن هذا العمل غير المدفوع هو نفسه الذي يعيل كافة أعضاء المجتمع غير العاملين ازاى؟؟. إن الضرائب المحلية، وضرائب الدولة، إضافة للريع العقاري... الخ بقدر ما يتعلق الأمر بالطبقة الرأسمالية، تسدد جميعا من العمل غير المدفوع. إن النظام الاجتماعي الراهن، يرتكز برمته على هذا العمل.. إن من السخف الادعاء بأن العمل غير المدفوع لم يظهر إلا في ظل الظروف الحالية، حيث تتم عملية الإنتاج بواسطة الرأسماليين من جهة والعمال المأجورين من جهة أخرى. بالعكس.لقد كانت الطبقات المقهورة، في كل الأزمنة، مضطرة لتأدية أعمال غير مدفوعة . فطوال الحقبة التاريخية الكبيرة التي كانت فيها العبودية الشكل السائد من أشكال تنظيم العمل، كان العبيد مرغمين على أداء أعمال أكبر بكثير مما كان يعاد إليهم بالمقابل على شكل وسائل للبقاء. والحال نفسه يستمر في ظل نظام القنانة وحتى لحظة إلغاء أعمال السخرة الفلاحية. وهنا يظهر، في الحقيقة، الفرق بين الزمن الذي يعمل فيه الفلاح لإعالة نفسه وبين العمل الزائد من أجل السيد الإقطاعي بشكل ملموس، ذلك لأن الأخير ينفذ بصورة منفصلة عن الأول.أما في ظل الرأسمالية فقد تبدل الشكل إلا أن الجوهر يظل ماثلا، فما دام هناك «جزء من المجتمع يمتلك حق استثمار وسائل الإنتاج، فإن الشغيلة، أحرارا أو غير أحرار، مرغمون على أن يضيفوا إلى جانب العمل الضروري لبقائهم، عملا إضافيا لإنتاج وسائل العيش إلى مالكي وسائل الإنتاج».(رأس المال ص 202 «ص 235»).


تمام
2-

رأينا، في المقال السابق، أن العامل الذي يستأجره الرأسمالي ينجز عملا مضاعفا: يعوض الشغيل في الجزء الأول منه عن الأجور التي دفعها له الرأسمالي سلفا، ويطلق ماركس على هذا الجزء من العمل اسم «العمل الضروري». إلا أن العامل مجبر على الاستمرار في العمل، وفي هذا الوقت ينتج للرأسمالي القيمة الزائدة، وهي الحصة المهمة التي يتألف منها الربح. هذا الجزء من العمل يسميه ماركس: العمل الزائد.
دعونا نفترض أن العامل يشتغل ثلاثة أيام تعويضا عن أجره، وثلاثة أيام لإنتاج القيمة الزائدة للرأسمالي. إن ذلك يعني، بصيغة أخرى، أن الشغيل في يوم عمل مؤلف من 12 ساعة، يعمل ست ساعات لقاء أجره، وست ساعات لإنتاج القيمة الزائدة. إلا أن الرأسمالي لا يمكن أن يحصل على أكثر من ستة أيام من الأسبوع أو سبعة بضمنها يوم الأحد، على أقصى تقدير، إلا أن بوسعه أن يقتطع ستة أو ثماني أو عشر ساعات أو اثنتي عشرة ولربما خمس عشرة ساعة أو أكثر في كل يوم.إن العامل يبيع للرأسمالي يوم عمل لقاء أجر يوم. ولكن كم يبلغ يوم العمل؟ ثماني ساعات أم ثماني عشرة ساعة.
إن من مصلحة الرأسمالي جعل يوم العمل أطول ما يمكن. ويشعر العامل، شعورا صحيحا، إن كل ساعة من ساعات العمل الزائدة مسروقة منه ظلما. إنه يختبر بجسده معنى اشتغال ساعات إضافية زائدة. يصارع الرأسمالي من أجل منفعته، ويصارع العامل من أجل صحته، من أجل ساعات قليلة لراحته اليومية، ليكون قادرا ككائن إنساني على تأدية مشاغله الأخرى غير العمل، كالنوم وتناول الطعام. ويمكن أن نشير بهذه المناسبة إلى أن الأمر لا يتوقف إطلاقا على الإرادة الطيبة للرأسمالي كفرد، فيما إذا كان يرغب في مزاولة هذا الصراع أم لا، ما دامت المنافسة ترغم أكثر الرأسماليين حبا للإنسانية، على الانضمام إلى أقرانه لجعل مدة العمل اليومي أطول ما يمكن.
لقد اندلع النضال من أجل تثبيت يوم العمل منذ اللحظة الأولى لظهور العمال في التاريخ، وحتى يومنا الحاضر. إن أيام العمل التقليدية السائدة في فروع الصناعة متباينة تماما، إلا أن من الصعب ملاحظة الفروقات في الواقع. ولكن أن يثبت القانون حدود يوم العمل ويشرف على مراقبته حتى يمكننا أن نقول أن هناك بالفعل يوم عمل طبيعي.وهذا هو الحال الآن في كافة الأحياء الصناعية بإنكلترا دون استثناء. فقد تم تثبيت يوم العمل بعشر ساعات (عشر ساعات ونصف للأيام الخمسة الأولى، وسبع ساعات ونصف ليوم السبت) لكل النساء والأولاد بين سن 13-18...ولما كان الرجال لا يستطيعون العمل بدون هؤلاء، فقد خضعوا بدورهم إلى يوم عمل مؤلف من عشر ساعات. لقد نال عمال الصناعة الإنكليزية هذا القانون عبر سنين طويلة من العذاب والنضال العنيد الدؤوب بوجه مالكي المصانع، عبر الصحافة، وحرية الاجتماع وتأليف الجمعيات، وأيضا عبر الاستثمار الحاذق لانقسامات الطبقة الحاكمة نفسها. لقد أضحى مكسبا للطبقة العاملة، وأخذ يمتد بالتدريج إلى كل الفروع الصناعية المهمة، وقد شمل، في السنة الماضية، كل الصناعات تقريبا، على الأقل تلك التي تستخدم الأطفال والنساء.
إن كتاب ماركس الحالي يحتوي على مادة كبيرة تستوعب تاريخ هذا التنظيم القانوني ليوم العمل في انكلترا. وسيكون ل –(رايخستاغ ألمانيا الشمالية) هو الآخر تنظيما للمصانع وبالتالي نظاما للعمل في المصانع لا بد أن يثير بصدده النقاش. ولا نتوقع أن أحدا من النواب المنتخبين من قبل العمال الألمان سوف يتقدم لمناقشة اللائحة دون أن يتعرف بالتفصيل على مؤلف ماركس. إن فيه الكثير مما يمكن استثماره. إن الانقسامات القائمة في أوساط الطبقات الحاكمة في ألمانيا أكثر فائدة من الانقسامات التي كانت قائمة في إنكلترا،لأن الانتخابات العامة ترغم الطبقات الحاكمة على أن تنشد العون من العمال. إن أربعة أو خمسة ممثلين للبروليتاريا يؤلفون قوة في مثل هذه الظروف، شرط أن يعرفوا كيف يستخدمون مركزهم، أو قبل كل شيء، إذا عرفوا ما هي نقطة الخلاف التي لا تعرفها البرجوازية. إن كتاب ماركس يمنحهم، في صيغة جاهزة، كل المادة المطلوبة.
سوف نتجاوز عددا من البحوث الرائعة التي تتمتع بفائدة نظرية كبيرة، لنأتي إلى الفصل النهائي الذي يعالج تراكم رأس المال. يوضح ماركس هنا ولأول مرة أن نمط الإنتاج الرأسمالي، أي الذين يفترض وجود رأسماليين من جهة وعمالا مأجورين من جهة أخرى، لا يقتصر على إعادة إنتاج رأس المال بصورة مستمرة، ولكنه يعيد إنتاج فقر العمال بصورة مستمرة في ذات الوقت، بحيث أنه يؤمن، على الدوام، ظهور رأسماليين جدد يمتلكون كافة وسائل البقاء، والمادة الأولية وأدوات العمل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يؤمن وجود جماهير غفيرة من العمال المضطرين لبيع قوة عملهم إلى هؤلاء الرأسماليين لقاء كمية من وسائل العيش التي لا تكفي، في أحسن الأحوال، إلا لبقائهم قادرين على العمل، وعلى إنجاب جيل جديد من بروليتارين أصحاء. إلا أن رأس المال لا يعاد إنتاجه فحسب بل يزداد ويتضاعف باستمرار وكذلك تتضاعف سطوته على طبقة العمال المعدومي الملكية.
وكما أن رأس المال يعاد إنتاجه بمعدلات تتزايد باطراد، فأن نمط الإنتاج الرأسمالي المعاصر يعيد إنتاج طبقة العمال المعدومي الملكية بمعدلات متزايدة أيضا وبأعداد هائلة..«إن التراكم (تراكم رأس المال) يعيد توليد العلاقات الرأسمالية باتجاه تقدمي، فالمزيد من الرأسماليين أو رأسماليين أكثر في هذا القطب يقابله عمال مأجورين أكثر في القطب المقابل.. إن تراكم رأس المال، هو بالتالي، نمو للبروليتاريا». (ص600 «ص613»).
وعلى أية حال فإن عدد العمال الضروريين لإنتاج نفس الكمية من المنتوجات يتناقض أكثر فأكثر بفضل التقدم الآلي وتحسن الزراعة..الخ. وهذا يؤدي إلى نمو عدد العمال الفائضين عن الحاجة بسرعة أكبر من نمو رأس المال نفسه. ما هو مصير هذا العدد المتنامي من العمال؟ إنهم يشكلون جيش الصناعة الاحتياطي الذي يتقاضى، في فترات الأعمال السيئة أو المتواضعة، أجرا أدنى من قيمة عمله، كما أنه يستخدم بصورة غير دائمية، أو يصبح تحت رعاية المؤسسات الخيرية، إلا أن الطبقة الرأسمالية لا تستغني في أوقات ازدهار الأعمال عن هذا الاحتياطي –كما هو جلي وملموس في إنكلترا- الذي يؤدي لها خدمة تحطيم قوة مقاومة العمال الدائمين، والإبقاء على أجورهم المتدنية. «كلما كانت الثروة الاجتماعية أكبر..تعاظم جيش الصناعة الاحتياطي (نسبة السكان الفائضين [45]).. وكلما كانت نسبة الجيش الاحتياطي أكبر من الجيش الفعلي (العمال الدائمين) كلما تضخمت جماهير السكان الفائضين (الدائمة) أو (فئات العمال) التي يتناسب بؤسها بصورة عكسية مع عذابات عملها. وأخيرا، كلما اتسعت فئات المعدمين من الطبقة العاملة وجيش الصناعة الاحتياطي، كلما تزايدت الفاقة الرسمية. هذا هو القانون العام المطلق للتراكم الرأسمالي.» (ص 631 «ص 644»).
إن هذه القوانين الصارمة والمثبتة علميا –والتي يبذل الاقتصاديون عناية فائقة في أن لا يقوموا بأية محاولة لدحضها- هي بعض القوانين الرئيسية للنظام الاجتماعي الرأسمالي المعاصر.ولكن هل قيل بذلك كل شيء؟. إطلاقا. فمثلما يشدد ماركس بقوة على الجوانب السيئة في الإنتاج الرأسمالي، فإنه يبرهن بوضوح أن هذا الشكل الاجتماعي كان ضروريا لتطوير قوى الإنتاج الاجتماعية إلى مستوى معين يكون معه التطور المتساوي، الجدير بالبشر، ممكنا لكل أعضاء المجتمع. لقد كانت كل أشكال المجتمعات السابقة أفقر مما ينبغي لتحقيق ذلك. إن الإنتاج الرأسمالي يخلق، ولأول مرة، الثروة والقوى المنتجة الضرورية لذلك، بيد أنه يخلق، أيضا، في ذات الوقت.من صلب جماهير الشغيلة المقهورين طبقة اجتماعية تندفع أكثر فأكثر للمطالبة بالانتفاع بهذه الثروة وهذه القوى الإنتاجية لصالح المجتمع كله.عوضا عن استثمارها لصالح طبقة احتكارية واحدة كما هو الحال اليوم.
--------------------------------------------------------------------------------د
نقد الاقتصاد السياسي

هامبورغ، أوتومايسنر 1867 [46]
أضافت الانتخابات العامة إلى الأحزاب البرلمانية الموجودة أصلا، حزبا جديدا، الحزب الديموقراطي الاشتراكي. وفي انتخابات (رايخستاغ شمال ألمانيا) الأخيرة رشح الحزب ممثلين عنه في معظم المدن الكبيرة وفي كافة الأحياء الصناعية، ولم يفز منهم سوى ستة أو ثمانية مرشحين. إن قوة الحزب، بالمقارنة مع الانتخابات الأخيرة، قد تضاعفت بصورة كبيرة، ولهذا يمكننا أن نفترض بأن هذه القوة، في الوقت الحاضر على الأقل، ما تزال تتعاظم. إن من الحماقة أن نأمل في استمرار التغاضي والسكوت عن وجود نشاط ومعتقدات مثل هذا الحزب في بلد وضعت الانتخابات العامة فيه مصيرها النهائي بيد الطبقة الأكثر فقرا وعددا. ومهما تكن حالة الانقسام والتذبذب القائمة في صفوف النواب الاشتراكيين المعدومين، فإن بوسعنا الافتراض بكل ثقة أن كل مجموعات (فرق) هذا الحزب سوف ترحب بالكتاب الحالي على أنه: إنجيلها النظري والترسانة التي تستمد منها مجادلاتها الأكثر أهمية. فعلى هذا الأساس وحده يستحق الكتاب اهتماما خاصا. إلا أن محتوياته هي الأخرى سوف تكون مثيرة للانتباه. فبينما تقتصر مجادلات لاسال الأساسية –ولاسال في الاقتصاد السياسي ليس إلا تلميذ لماركس- على التكرار المستمر لما يسمى بقانون ريكاردو في الأجور، يواجهنا، هنا،عمل يعالج كامل علاقات العمل برأس المال وصلتهما بعلم الاقتصاد، وذلك بسعة إطلاع نادرة لا تقبل الجدل، تضع نصب عينيها هدفا نهائيا في (في الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث) وتصل بالتالي، بعد تحريات أمينة وواضحة تم إنجازها وفق معرفة أكيدة بالموضوع، إلى النتيجة النهائية في أن «نمط الإنتاج الرأسمالي» برمته لا بد أن يزول. وبودنا، على أية حال، أن نلفت الانتباه إلى أن المؤلف، بمعزل عن هذا الاستنتاج، يعرض في مجرى كتابه عددا لا بأس به من الأمور الاقتصادية في ضوء جديد تماما، ويتوصل عبر تساؤلات علمية خالصة إلى نتائج تختلف عما توصل إليه الاقتصاد الشائع. إن على رجال الاقتصاد المستقيمي الرأي أن ينتقدوا هذه النتائج ويفندونها بجدية وبصورة علمية. إذ لم يكونوا راغبين في رؤية المذهب الذي يروجون له غريقا. ومن الأمور المستحبة، ولصالح العلم، أن تظهر في الصحف المختصة نقاشات حول هذه النقاط بالتحديد.
يبدأ ماركس بتفسير العلاقة بين السلعة والنقد، والتي سبق له أن كتب عن أكثر جوانبها الجوهرية في عمل خاص نشر منذ زمن مضى [47]. وينتقل بعد ذلك إلى رأس المال، وهنا تكمن القضية الرئيسية للعمل بأكمله. ما هو رأس المال؟ أهو النقد الذي يتحول إلى بضاعة، لكي يصار إلى تبديل هذه الأخيرة مجددا من بضاعة إلى نقد أكثر من المبلغ الأصلي. عندما أقوم بشراء قطن بـ(100) وأبيعه بـ(110) تالر، فأنني أحتفظ بـ ال(100) تالر التي تخصني كرأس مال، كقيمة توسع نفسها. والآن يبرز السؤال: من أين تأتي الـ(10) تالر التي ربحتها من هذه العملية؟ كيف يحدث أن تصبح الـ(100) تالر (110) تالر نتيجة عملتي تبادل بسيطتين؟ ذلك لأن علم الاقتصاد يفترض أن القيم المتساوية هي وحدها التي يجري تبادلها. يتأمل ماركس، عندئذ، كل الاحتمالات الممكنة (تقلب أسعار السلع.. الخ) لكي يبرهن، استنادا للشروط التي يفترضها علم الاقتصاد، أن انبثاق القيمة الزائدة (10 تالر) من الـ(100) تالر الأصيلة أمر مستحيل. مع ذلك فأن هذه العملية تجري يوميا، ولم يقدم الاقتصاديون لحد الآن أي تفسير لها. غير أن ماركس يزودنا بالتفسير التالي: لا يمكن حل اللغز إلا إذا وجدنا، في السوق، سلعة من نوع خاص، سلعة تشتمل قيمتها الاستعمالية على إنتاج القيمة التبادلية.هذه السلعة موجودة –إنها قوة العمل. يشتري الرأسمالي قوة العمل ويقوم بتشغيلها لصالحه كي يبيع، بالتالي، ما تنتجه. ينبغي علينا، قبل كل شيء، أن نتفحص قوة العمل.
ما هي قيمة قوة العمل، إنها، استنادا إلى القانون العام المعروف، قيمة وسائل الحياة الضرورية لديمومة الشغيل وإعادة توليد نوعه بالطريقة القائمة في بلد معين أو حقبة تاريخية معينة.
لنفترض أن الشغيل يتلقى القيمة الكاملة لقوة عمله. ولنفترض هذه القيمة ممثلة بست ساعات عمل يوميا، أو نصف يوم عمل. غير أن الرأسمالي يزعم أنه اشترى قوة العمل لمدة يوم عمل كامل، فيدفع الشغيل للعمل 12 ساعة أو أكثر. أنه يحصل، في يوم العمل المؤلف من 12 ساعة، على منتوج ست ساعات عمل دون أن يدفع لقاءها شيئا. من ذلك يستنتج ماركس أن: كل القيمة الزائدة، مهما كانت الطريقة التي تتوزع بها، كربح رأسمالي أو ريع عقاري، أو ضريبة.. الخ هي عمل غير مدفوع الأجر.
وينشأ الصراع على تحديد طول العمل من التضاد بين مصلحة مالك المصنع الذي يود أن يقتطع أكبر قدر ممكن من العمل غير المدفوع يوميا، وبين مصلحة الشغيل المناقضة. ويصف ماركس وصفا جديرا بالقراءة ويستغرق قرابة مائة صفحة، منبع هذا الصراع في الصناعة الإنكليزية الذي انتهى في الربيع الماضي، رغم احتجاجات رجال الصناعة الحرة، ليس إلى خضوع المعامل الصناعية وحدها بل كافة المؤسسات الصغيرة والصناعات البيتية، خضوعا تاما لتعليمات «لائحة المصانع» التي حدد بموجبها يوم العمل للنساء والأطفال تحت سن الثامنة بعشر ساعات ونصف، وشمل ذلك بصورة غير مباشرة الرجال العاملين في أغلب فروع الصناعة. ويشرح ماركس، في الوقت نفسه، كيف أن الصناعة الإنكليزية لم تعان هبوطا، بل العكس أحرزت الكثير، لأنها اكتسبت من زيادة شدة عمل الفرد أكثر مما فقدته بتقليص ساعات العمل.
بيد أن هناك طريقة أخرى لرفع القيمة الزائدة إلى جانب تمديد يوم العمل إلى أكثر من الوقت اللازم لإنتاج وسائل البقاء الضرورية أو لإنتاج قيمتها. ففي يوم عمل محدود، وليكن مؤلفا من 12 ساعة، هناك، استنادا إلى فرضيتنا السابقة، ست ساعات من العمل الضروري وست ساعات لأجل إنتاج القيمة الزائدة. فإذا تم العثور على وسيلة لتقليص وقت العمل الضروري إلى خمس ساعات، يبقى لدينا سبع ساعات تنتج القيمة الزائدة خلالها. ويمكن تحقيق ذلك بانخفاض وقت العمل المطلوب لإنتاج وسائل العيش الضرورية، وبمعنى آخر رخص تكاليف وسائل العيش، وهذا يتحقق، بدوره، بتحسين الإنتاج. ويقدم لنا ماركس، بصدد هذه النقطة، شروحا تفصيلية، وذلك بدراسة ووصف الرافعات الرئيسية الثلاث التي تحقق هذه التعديلات:
1-التعاون: أو مضاعفة القوة التي تنشأ من العمل المنظم المشترك لعدد من العمال في آن واحد.
2-تقسيم العمل: كما تجسد جيدا في فترة المانفكتورة (حتى عام 1770 تقريبا) وأخيرا:
3-الآلة: التي تطورت بفضلها الصناعة الحديثة.
إن هذا الوصف لذو فائدة كبيرة،ويكشف عن معرفة المؤلف المدهشة بالموضوع حتى على مستوى المعلومات التكنولوجية التفصيلية.
ولا يسعنا أن ندخل في تحريات مسهبة أكثر بصدد القيمة الزائدة والأجور، ونكتفي بأن نذكر، تحاشيا لسوء الفهم، أن ما يبرهن عليه ماركس بعدد كبير من الاستشهادات ليس أمرا يجهله الاقتصاديون المستقيمو الرأي، لأنهم يعرفون حقيقة أن الأجور أدنى من كامل نتاج العمل. ولنا أن نأمل بأن يمنحهم هذا الكتاب فرصة إعطائنا تفسيرات قريبة من الواقع بصدد هذه النقطة المثيرة للدهشة حقا. ومن الأمور التي تستحق التقدير أن كافة البراهين الواقعية التي يقدمها ماركس، مستقاة من أوثق المصادر، فمعظمها مأخوذ عن التقارير البرلمانية الرسمية. وننتهز هذه الفرصة لدعم اقتراح المؤلف، المطروح في مقدمة الكتاب، بضرورة القيام بتحريات دقيقة لظروف العمال الألمان في الصناعات المختلفة من قبل موظفي الحكومة –الذين ينبغي أن لا يكونوا، على أية حال، بيروقراطيين متحيزين- وأن ترفع التقارير إلى الرايخستاغ والجمهور.
وينتهي الجزء الأول بدراسة تراكم رأس المال. لقد كتب الكثير عن هذه القضية، إلا أن علينا أن نعترف، هنا أيضا، بأن الكثير مما يقدمه ماركس جديد كل الجدة، وأن النور مسلط على القديم من زوايا جديدة. أما الجانب الأكثر أصالة فهو محاولة البرهنة على أن تمركز وتراكم رأس المال يسير جنبا إلى جنب، وبنفس الخطوات، مع التراكم المستمر للعمل الزائد للجماهير، وأن الاثنين معا سوف يجعلان الثورة الاجتماعية، في النهاية، ضرورية من جهة، وممكنة من جهة أخرى.
ومهما يكن رأي القارئ بمعتقدات المؤلف الاشتراكية، فإننا نعتقد بأننا قد أظهرنا له بأنه يواجه كتابا يفوق المؤلفات العادية التي نشرها الاشتراكيون الديموقراطيون. ونضيف إلى ذلك بأن الكتاب، باستثناء المواضيع الديالكتيكية الكثيفة في الصفحات الأربعين الأولى، وبالرغم من صرامته العلمية، كتاب سهل الفهم، بل أنه كتب بأسلوب ممتع وذلك بسبب أسلوب المؤلف التهكمي الذي لم يتوفر لأحد.
--------------------------------------------------------------------------------
(ثالثا) رأس المال لكارل ماركس [48]


يشير السيد توماس توك في بحثه عن العملة على أن النقد، في وظيفته كرأسمال، يقوم بالعودة إلى نقطة انطلاقه الأصيلة، في حين أن الحال ليس كذلك مع النقد الذي يؤدي وظيفة التداول. ويستخدم السيد توك هذا التباين (الذي سبق للسير جيمس ستيوارت أن وطده منذ أمد بعي) كمجرد حلقة في سلسلة مجادلاته ضد تأكيدات «رجال التداول المالي» حول تأثير إصدار النقود الورقية على أسعار السلع. أما مؤلفنا فأنه يتخذ، على العكس من ذلك، من هذا التباين نقطة البداية في بحثه عن طبيعة رأس المال نفسه، وبالتحديد بخصوص السؤال التالي: كيف يتحول النقد، هذا الشكل المستقل من أشكال وجود القيمة، إلى رأس مال؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق