كيف تصنع ايديولوجيتك

ايديولجيتك = مبدأك = افكارك = شخصيتك = مستقبلك

ابحث عن المعنى الغائب هنـــــــــا

الخميس، 19 أغسطس 2010

تاكتيك نضال البروليتاريا الثوري


تاكتيك نضال البروليتاريا الثوري





لما كان ماركس قد ابصر جلياً منذ 1844-1845 احدى النواقص الاساسية في المادية القديمة، وهي ان المادية القديمة لم تعرف كيف تفهم شروط النشاط العملي الثوري ولا ان تقدر اهميته، فانه الى جانب اعماله النظرية قد اعار طوال حياته انتباهاً دائباً لمسائل تاكتيك نضال البروليتاريا الطبقي. ومن هذه الناحية تقدم جميع مؤلفات ماركس مراجع غنية، ولا سيما مراسلاته مع انجلس المنشورة عام 1913 في اربع مجلدات. ان هذه المراجع ما تزال بعيدة عن ان تكون كلها مجموعة ومصنفة ومدروسة ومعمقة. ولهذا يترتب علينا ان نكتفي هنا باعم الملاحظات واوجزها، مع الاشارة الى ان ماركس كان يعتبر بحق ان المادية اذا جردت من هذا الجانب كانت غير كاملة ووحيدة الجانب وعديمة الحيوية. لقد كان ماركس يحدد المهمة الاساسية لتاكتيك البروليتاريا بالتوافق الدقيق مع جميع مقدمات مفهومه المادي-الديالكتيكي. ان حسبان الحساب بشكل موضوعي لمجموع العلاقات بين جميع الطبقات في مجتمع معين دون استثناء، وبالتالي حسبان الحساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع وللعلاقات بينه وبين سائر المجتمعات، يمكن له وحده ان يكون اساساً لتكتيك صحيح للطبقة المتقدمة. وعليه ينظر الى جميع الطبقات وجميع البلدان لا من حيث مظهرها الثابت بل من حيث مظهرها المتحرك، اي لا في حالة الجمود بل في حالة الحركة (الحركة التي تنبثق قوانينها من الشروط الاقتصادية لمعيشة كل طبقة). والحركة بدورها ينظر اليها لا من وجهة نظر الماضي و حسب بل من وجهة نظر المستقبل ايضاً. وفضلاً عن ذلك ينظر اليها لا وفقاً للمفهوم المبتذل "للتطوريين" الذين لا يلاحظون سوى التحولات البطيئة بل وفقاً للديالكتيك. فقد كتب ماركس الى انجلس يقول: "في التطورات التاريخية الكبرى ليست عشرون سنة اكثر من يوم واحد مع انه قد تأتي فيما بعد ايام تضم في احشائها عشرين سنة" ("المراسلات"، المجلد الثالث، صفحة 167). وفي كل درجة من التطور، وفي كل لحظة يجب على تاكتيك البروليتاريا ان يأخذ بعين الاعتبار هذا الديالكتيك الحتمي موضوعياً لتاريخ الانسانية: وذلك من جهة باستخدام مراحل الركود السياسي اي مراحل التطور "الهادئ" ـ كما يزعم ـ الذي يتقدم بخطى السلحفاة من اجل تطوير الوعي و القوى و القدرة النضالية لدى الطبقة المتقدمة، ومن جهة اخرى بالاتجاه في كل هذا العمل نحو "الهدف النهائي" لحركة هذه الطبقة بجعلها قادرة على ان تحل عملياً المهمات الكبرى للايام العظيمة "التي تضم في احشائها عشرين سنة". ثمة بحثان لماركس بهذا الصدد يرتديان اهمية خاصة. الاول في كتابه "بؤس الفلسفة" ويتعلق بنضال البروليتاريا الاقتصادي وبمنظماتها الاقتصادية، وآلاخر في "البيان الشيوعي" ويتعلق بمهمات البروليتاريا السياسية. اما الاول فقد ورد كما يلي: "ان الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهوراً من الناس لا يعرف بعضهم بعضاً. والمزاحمة تفرق مصالحهم. ولكن وقاية الاجرة، هذه المصلحة المشتركة بينهم ضد سيدهم، تجمعهم في فكرة واحدة فكرة المقاومة والتحالف...ان التحالفات تبدأ منعزلة ثم تتألف في جماعات، وبوجه الرأسمال المتجمع على الدوام، يغدو حفاظ العمال على اتحاداتهم اهم بنظرهم من وقاية الاجرة... وفي هذا النضال ـ هذه الحرب الاهلية الحقيقة ـ تتجمع و تتطور جميع العناصر الضرورية لمعركة مقبلة. وعند بلوغ هذه النقطة يأخذ التحالف طابعاً سياسياً". ان لدينا هنا برنامج وتاكتيك النضال الاقتصادي والحركة النقابية لبضع عشرات السنين، لكل المرحلة الطويلة من تحضير قوى البروليتاريا "لمعركة مقبلة". وتجدر المقارنة بين ذلك وبين اشارات ماركس وانجلس العديدة المبنية على تجربة الحركة العمالية الانجليزية، والتي تبين كيف ان "الازدهار" الصناعي يستثير محاولات "لشراء العمال" ("المراسلات، المجلد الاول، صفحة 136)، وصرفهم عن النضال، وكيف ان هذا الازدهار "يفسد معنويات العمال" بوجه عام (المجلد الثاني صفحة 218) وكيف ان البروليتاريا الانجليزية "تتبرجز"، وكيف ان "الامة الاكثر برجوازية بين الامم" (الامة الانجليزية) "تبدو كأنها تريد اخيراً ان يكون لديها، الى جانب البرجوازية، ارستقراطية برجوازية و بروليتاريا برجوازية" (المجلد الثاني، صفحة 290)، وكيف ان "الطاقة الثورية تتلاشى وتزول لدى البروليتاريا الانجليزية" (المجلد الثالث صفحة 124)، وكيف ينبغي الانتظار زمناً قد يطول الى هذا الحد او ذاك "لكي يتخلص العمال الانجليز مما يبدو عليهم من الفساد البرجوازي" (المجلد الثالث صفحة 127)، وكيف ان "حمية الشارتيين"([31]) مفقودة في الحركة العمالية الانجليزية (1866، المجلد الثالث، صفحة 305)، وكيف ان الزعماء العماليين الانجليز يشكلون نموذجاً وسطياً "بين البرجوازيين الراديكاليين والعمال" (تلميح الى هوليوك المجلد الرابع صفحة 209)، وكيف "ان العامل الانجليزي لن يتحرك" بسبب احتكار انجلترا ما دام هذا الاحتكار قائماً (المجلد الرابع، صفحة 433). ان تاكتيك النضال الاقتصادي بالارتباط مع السير العام (ومع النتيجة العامة) للحركة العمالية مدروس هنا من وجهة نظر واسعة شاملة ديالكتيكية على نحو رائع وثورية حقاً.

اما"البيان الشيوعي" فقد صاغ لتاكتيك النضال السياسي المبدأ الأساسي التالي للماركسية: "انهم (اي الشيوعيين) يكافحون في سبيل مصالح الطبقة العاملة واهدافها المباشرة، ولكنهم يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة". ومن اجل هذا ساند ماركس في 1848 حزب "الثورة الزراعية" في بولونيا (اي الحزب الذي اثار انتفاضة كراكوفيا في 1846)([32]). وفي 1848ـ 1849 ساند ماركس في المانيا الديمقراطية الثورية المتطرفة ولم يتراجع قط عما قاله حينذاك عن التاكتيك. وكان يعتبر البرجوازية الالمانية بمثابة عنصر "كان يجنح منذ البداية الى خيانة الشعب" (فقط التحالف مع جماهير الفلاحين كان بوسعه ان يتيح للبرجوازية بلوغ اغراضها كاملة) "والى اجراء مساومة مع الممثلين المتوجين للمجتمع القديم". و فيما يلي التحليل النهائي الذي اعطاه ماركس عن وضع البرجوازية الالمانية الطبقي في مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية، مع العلم ان هذا التحليل هو نموذج للمادية التي تنظر الى المجتمع من حيث حركته وليس فقط من جانب الحركة المتجه نحو الماضي..."عادمة الايمان بنفسها (اي البرجوازية الالمانية ـ المعرب) عادمة الايمان بالشعب، متذمرة من الكبار، مرتجفة امام الصغار... خائفة من الاعصار العالمي...فاقدة العزيمة في اي مكان منتحلة في كل مكان... دون مبادرة... كعجوز تنيخ عليه اللعنة محكوم عليه بحكم مصالح شيخوخته بقيادة الاندفاعات الفتية الاولى لشعب فتي قوي" ("الجريدة الرينانية الجديدة"، 1848. انظر"التركة الادبية"، المجلد الثالث، صفحة 212). وبعد زهاء عشرين سنة كتب ماركس في رسالة الى انجلس (المجلد الثالث صفحة 224) ان فشل ثورة 1848 سببه ان البرجوازية كانت قد فضلت المسالمة مع العبودية على مجرد امكانية الكفاح في سبيل الحرية. وعندما اختتمت مرحلة ثورات 1848-1849، هب ماركس ضد كل محاولة للعب بالثورة (النضال ضد شابر وويليخ) مصراً على معرفة العمل في المرحلة الجديدة التي تهيء ثورات جديدة تحت ستار "سلم" ظاهري. ان تعليق ماركس التالي حول الوضع في المانيا في 1856 في مرحلة الرجعية الاشد اسوداداً يبين باية روح كان ماركس يرغب في ان يتم هذا العمل: "سيتوقف كل شيء في المانيا على امكانية دعم الثورة البروليتارية ،بطبعة ما، جديدة، لحرب الفلاحين" ("المراسلات" المجلد الثاني صفحة 108). وطالما لم تنته الثورة الديمقراطية (البرجوازية) في المانيا وجه ماركس كل انتباهه فيما يتعلق بتاكتيك البروليتاريا الاشتراكية الى تطوير طاقة الفلاحين الديمقراطية. وكان يعتبر ان موقف لاسال هو "موضوعياً خيانة للحركة العمالية في صالح بروسيا" (المجلد الثالث صفحة 210) و ذلك بالضبط لان لاسال يتسامح مع الملاكين العقاريين و التعصب القومي البروسي. وقد كتب انجلس في 1865 اثناء تبادل وجهات النظر مع ماركس بصدد مشروع بيان مشترك في الصحف يقول: "في بلد زراعي، من السفالة ان يصار باسم العمال الصناعيين الى تسديد الضربة الى البرجوازية فقط دون الاشارة الى استثمار العمال الزراعيين على الطريقة البطريركية (الابوية) و"تحت ضربات العصى" من جانب النبلاء الاقطاعيين" (المجلد الثالث، صفحة 217) 21. وفي الحقبة الممتدة من 1863 الى 1870 حينما كانت مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية في المانيا تشرف على نهايتها هذه المرحلة التي كانت تتنازع فيها طبقات المستثمرين في بروسيا والنمسا حول طرق انجاز هذه الثورة من فوق، لم يكتف ماركس بشجب لاسال لمداعباته مع بيسمارك انما كان يصلح ايضاً ليبكنخت الذي وقع في "حب النمسا"، واخذ يدافع عن الخصائص المحلية 22. وكان ماركس يلح على انتهاج تاكتيك ثوري يكافح بلا هوادة سواء بيسمارك ام محبي النمسا، تاكتيك لا يتكيف "للمنتصر"ـ اليونكر 23 البروسي ـ بل يحدد النضال الثوري ضده فوراً، وبالضبط في الميدان الناجم عن انتصارات بروسيا العسكرية ("المراسلات"، المجلد الثالث، ص ص 134، 136، 147، 179، 204، 210، 215، 318، 437، 440 – 441) 24. وفي رسالة الاممية الشهيرة الصادرة في 9 ايلولـ سبتمبر 1870، حذر ماركس البروليتاريا الفرنسية من انتفاضة قبل الاوان، ولكن عندما قامت هذه الانتفاضة مع ذلك (1871) حيا ماركس بحماسة المبادرة الثورية لدى الجماهير "التي تصعد لمهاجمة السماء" (رسالة ماركس الى كوغلمان). ان هزيمة الحركة الثورية في هذا الوضع مثلها في العديد من الاوضاع الاخرى قد كانت من وجهة نظر مادية ماركس الديالكتيكية شراً اهون بالنسبة الى مجمل سير النضال البروليتاري، و بالنسبة الى نتيجة هذا النضال من شر اخلاء الموقع للمحتل و الاستسلام دون قتال. ان مثل هذا الاستسلام كان من شأنه ان يثبط من معنويات البروليتاريا وان يقوض كفاحيتها. ان ماركس، مع تقديره التام لاستخدام وسائل النضال الشرعية في مراحل الركود السياسي وسيطرة الشرعية البرجوازية، قد شجب بشدة بالغة في 1877-1878 بعد سن القانون الاستثنائي ضد الاشتراكيين 25 "الجملة الثورية" لدى موست. وحمل بنفس الشدة، ان لم يكن اكثر، على الانتهازية التي كانت قد استولت موقتاً حينذاك على الحزب الاشتراكي ـ الديمقراطي الرسمي الذي لم يعرف كيف يعطي الدليل فوراً على الثبات و الصلابة و الروح الثورية وكيف يظهر،جواباً على القانون الاستثنائي، استعداده للانتقال الى النضال السري. ("المراسلات"، المجلد الرابع، ص ص 397، 303، 418، 422، 424. 26. راجع ايضا رسائل ماركس الى سورجي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق