كيف تصنع ايديولوجيتك

ايديولجيتك = مبدأك = افكارك = شخصيتك = مستقبلك

ابحث عن المعنى الغائب هنـــــــــا

الخميس، 19 أغسطس 2010

المفهوم المادي للتاريخ فى الماركسيه


المفهوم المادي للتاريخ

ادرك ماركس خلو المادية القديمة من المنطق وعدم اكتمالها وطابعها الوحيد الجانب. فاقتنع بانه يجب "جعل علم المجتمع منسجماً مع الأساس المادي واعادة بنائه استناداً الى هذا الاساس"([25]). واذا كانت المادية بوجه عام تفسر الوعي بالكائن وليس بالعكس، فهي تتطلب عند تطبيقها على الحياة الاجتماعية للانسانية تفسير الوعي الاجتماعي بالكائن الاجتماعي. يقول ماركس: "ان التكنولوجيا تبرز اسلوب عمل الانسان تجاه الطبيعة،اي العملية المباشرة لانتاج حياته و بالتالي الظروف الاجتماعية لحياته والافكار او المفاهيم الفكرية التي تنجم عن هذه الظروف" ("رأس المال" المجلد الاول)([26]). وقد اعطى ماركس صيغة كاملة عن الموضوعات الاساسية للمادية في تطبيقها على المجتمع البشري وعلى تاريخه، وذلك في مقدمة كتابه: "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" قال:

"ان الناس اثناء الانتاج الاجتماعي لحياتهم يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية مستقلة عن ارادتهم. وتطابق علاقات الانتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية.

ومجموع علاقات الانتاج هذه يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، اي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي و سياسي وتطابقه اشكال معينة من الوعي الاجتماعي. ان اسلوب انتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي و الفكري بصورة عامة. فليس ادراك الناس هو الذي يحدد معيشتهم بل على العكس من ذلك معيشتهم الاجتماعية هي التي تحدد ادراكهم. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها تدخل في تناقض مع علاقات الانتاج الموجودة او مع علاقات الملكية ـ وليست هذه سوى التعبير الحقيقي لتلك ـ التي كانت الى ذلك الحين تتطور ضمنها. فبعد ما كانت هذه العلاقات اشكالاً لتطور القوى المنتجة تصبح قيوداً على هذه القوى. وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية. ومع تغير الاساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي الهائل بهذا الحد او ذاك من السرعة. وعند دراسة هذه الانقلابات ينبغي دائماً التمييز بين الانقلاب المادي لشروط الانتاج الاقتصادية ـ هذا الانقلاب الذي يحدد بدقة العلوم الطبيعية ـ وبين الاشكال الحقوقية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية، او بكلمة مختصرة الاشكال الفكرية التي يتصور فيها الناس هذا النزاع ويكافحونه.

فكما انه لا يمكن الحكم على فرد وفقاً للفكرة التي لديه عن نفسه، كذلك لا يمكن الحكم على عهد انقلاب كهذا وفقاً لوعيه. فينبغي تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية و بالنزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة و علاقات الانتاج"..." ان اساليب الانتاج، الاسلوب الاسيوي و القديم و الاقطاعي و البرجوازي الحديث مرسومة بخطوطها الكبرى يمكن اعتبارها بمثابة عهود متصاعدة من التكون الاجتماعي الاقتصادي"([27]). (" راجع الصيغة الموجزة التي يعطيها ماركس في رسالته الى انجلس بتاريخ 7 تموز/جويلية 1866: "نظريتنا حول تحديد تنظيم العمل بواسطة وسائل الانتاج").

ان اكتشاف المفهوم المادي عن التاريخ، او بتعبير ادق تطبيق وتوسيع المادية بدأب وانسجام الى النهاية حتى تشمل ميدان الظاهرات الاجتماعية، قد قضى على عيبين رئيسيين في النظريات التاريخية السابقة: اولاً: لم تكن هذه النظريات تأخذ بعين الاعتبار، في احسن الحالات، غير الدوافع، دون ان تدرك القوانين الموضوعية التي تسير تطور نظام العلاقات الاجتماعية، دون ان ترى جذور هذه العلاقات في درجة تطور الانتاج المادي. ثانياً: كانت النظريات السابقة تهمل على وجه الضبط عمل جماهير السكان بينما مكنت المادية التاريخية لأول مرة من دراسة الظروف الاجتماعية لحياة الجماهير ومن دراسة تغيرات هذه الظروف بدقة العلوم الطبيعية. لقد كان "علم الاجتماع" وعلم التاريخ قبل ماركس يكدسان في احسن الحالات وقائع خام مجموعة كيفما اتفق ويعرضان بعض الجوانب من حركة تطور التاريخ. لقد شقت الماركسية الطريق امام دراسة واسعة شاملة لعملية نشوء تشكيلات المجتمع الاقتصادية وتطورها وانهيارها وذلك بتحليلها مجموعة الميول المتناقضة وردها الى ظروف المعيشة والانتاج الواضحة المعالم لمختلف طبقات المجتمع، وبابعادها اختيار الافكار "القائدة" او تأويلها على نحو ذاتي واعتباطي، ويكشفها عن جذور جميع الافكار وجميع الميول المتباينة في اوضاع القوى المنتجة المادية دون استثناء. ان الناس هم صانعوا تاريخهم، ولكن ما الذي يحدد دوافعهم وخصوصاً دوافع الجماهير البشرية؟ وما هو سبب نزاعات الافكار والمطامح المتضادة؟ وماذا يمثل مجموع هذه النزاعات في مجمل المجتمعات البشرية، وما هي الشروط الموضوعية لانتاج الحياة المادية التي يقوم عليها اساس كل نشاط الناس التاريخي؟ وماهو قانون تطور هذه الشروط؟ ان ماركس قد اعار انتباهه لهذه المسائل ورسم الطريق لدراسة علمية للتاريخ بوصفه حركة تطور واحدة تسير وفق قوانين معينة رغم تنوعها العجيب ورغم جميع تناقضاتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق