كيف تصنع ايديولوجيتك

ايديولجيتك = مبدأك = افكارك = شخصيتك = مستقبلك

ابحث عن المعنى الغائب هنـــــــــا

الأربعاء، 11 أغسطس 2010

موجز رأس المال3


إن رأس المال، كما ذكرنا آنفا، لم يخترع القيمة الزائدة. فحيثما يكون هناك جزء من المجتمع مهيمنا هيمنة مطلقة على استثمار وسائل الإنتاج، فإن الشغيل عبدا كان أو قنا أو حرا مرغم على أن يؤدي (إلى جانب العمل الضروري لبقائه الخاص)، عملا زائدا بغية إنتاج وسائل البقاء لمالك وسائل الإنتاج سواء كان هذا المالك أرستقراطيا أثينيا [56] أو ثيوقراطيا ايتروسكيا، أو سيدا رومانيا، أو بارونا نورمانديا، أو مالك عبيد أمريكي أو نبيلا من والاشيا Wallachian boyar [57] أو ملاك أراضي معاصر أو رأسماليا.» (ص 235).
من الواضح، على أية حال، أن العمل الزائد، في أي شكل من أشكال المجتمعات الذي تكون فيه القيمة الاستعمالية للمنتوج أكثر أهمية من قيمته التبادلية، يتقيد بالمدى الواسع أو الضيق للحاجات الاجتماعية، ففي مثل هذه الظروف لا توجد، بالضرورة، أية رغبة في الحصول على العمل الزائد لذاته. ففي المجتمعات الكلاسيكية نجد أن العمل الزائد في أكثر أشكاله تطرفا، تشغيل الناس حتى الموت، لم يكن يحدث إلا في مناجم الذهب والفضة حيث كان يجري إنتاج القيمة التبادلية في شكل وجودها المستقل: النقد. وإذا كانت الأمة التي يرتكز إنتاجها إلى أكثر أشكال العبودية والسخرة البدائيتين، تعيش وسط سوق عالمي يهيمن عليه الإنتاج الرأسمالي، فإن بيع منتوجاتها كصادرات يصبح هدفها الأساسي –هنا تضاف الفظائع المتمدنة للتشغيل الزائد إلى الفظائع البربرية للعبودية والسخرة. وهكذا حافظ عمل العبيد في الولايات الأمريكية الجنوبية على طابعه البطرياركي والمتواضع عندما كان الإنتاج موجها لتلبية الاستهلاك العائلي والآني بصورة رئيسية. ولكن ما أن أضحى تصدير القطن مهما وحيويا لهذه الولايات، حتى أصبح إرهاق الزنجي بالعمل، وفي بعض الأحوال استنفاذ حياته في سبع سنوات، عنصرا قسريا في نظام قسري. والحال نفسه ينطبق على أعمال السخرة لأقنان الإمارات الدانوبية» (235-236).
إن مقارنة أعمال السخرة مع الإنتاج الرأسمالي تصبح بالغة الأهمية، لأن العمل الزائد في السخرة، يكتسب شكلا مستقلا ملموسا.
لنفترض أن يوم العمل مؤلف من 6 ساعات عمل ضروري و6 ساعات عمل زائد. إن الشغيل يمول الرأسمالي بـ 36 ساعة عمل زائد أسبوعيا. أي كما لو أن العامل قد اشتغل ثلاثة أيام لنفسه وثلاثة أيام من أجل الرأسمالي. إلا أن هذا الأمر لا يتضح، على الفور، للعيان. إن العمل الزائد والعمل الضروري ممتزجان ببعضهما بهذا القدر أو ذاك. ويمكنني أن أعبر عن نفس العلاقة بقولي أن العامل، في كل دقيقة، يشتغل 30 ثانية لنفسه و30 ثانية أخرى للرأسمالي. بيد أن الأمر يختلف مع أعمال السخرة. إن نوعي العمل منفصلان مكانيا. فالعمل الذي يؤديه الفلاح في إمارة والاشيا (Wallachian) لنفسه على سبيل المثال، يقوم به في حقله الخاص،أما العمل الزائد من أجل النبيل boyar)) فإنه يؤديه في أراضي النبيل. إن جزئي عمله موجودان بشكل مستقل عن أحدهما الآخر، فالعمل الزائد على هيئة عمل السخرة منفصل تماما عن العمل الضروري.» (ص236).
يتوجب علينا أن نحجم عن اقتطاف إيضاحات أخرى مهمة عن التاريخ الاجتماعي المعاصر للإمارات الدانوبية والتي يبرهن السيد ماركس بواسطتها على أن الأمراء، بمعونة التدخل الروسي، لا يقلون حذاقة عن أرباب العمل الرأسماليين في اقتطاع العمل الزائد.
إن القانون العضوي (Règlement Organique) [58] الذي منح الجنرال الروسي كيسيليف بواسطته، الأمراء سلطة غير محدودة على عمل الفلاحين، يعبر تعبيرا إيجابيا عما تعبر عنه لائحة المصانع الإنكليزية تعبيرا سلبيا.
«إن هذه القوانين [59] تعارض الميل الغريزي لرأس المال نحو الاستغلال غير المقيد لقوة العمل (نستميح العذر لاستعمال المصطلح الفرنسي لعدم وجود مرادف له في الإنكليزية)، وذلك بوضع حد لطول العمل بالقوة، بواسطة سلطة الدولة، وهي يحكمها ملاكو الأرض والرأسماليون. وبغض النظر عن تأثيرات حركة الطبقة العاملة التي كانت تكتسب كل يوم اتساعا أكبر، فإن تقليص ساعات العمل في المصانع قد أملته نفس الضرورة التي جلبت السماد من البيرو إلى حقول انجلترا. إن نفس الجشع الأعمى الذي أوهن التربة في الحالة الأولى، قد أصاب، في الحالة الثانية، حياة الأمة في الصميم. والأوبئة الدورية قد تفوهت بصراحة هنا، كما في فرنسا وألمانيا، مؤكدة ضرورة الإنقاص المستمر لمعدل طول المجندين» (ص 239).
وللبرهنة على ميل رأس المال إلى توسيع العمل إلى ما وراء كل الحدود المعقولة، يستشهد السيد ماركس بمقتطفات غزيرة من تقارير مفتشي المصانع، ولجنة استخدام الأطفال، والصحة العامة وتقارير برلمانية أخرى، موجزا إياها في الخلاصة التالية:
«ما هو يوم العمل؟ كم يبلغ الوقت الذي يسمح خلاله لرأس المال بأن يستهلك قوة العمل بعد دفع قيمتها اليومية؟ إلى أي مدى يمتد يوم العمل زيادة عن الوقت الضروري لتجديدة قوة العمل نفسها؟ يجيب رأس المال: أن يوم العمل يبلغ 24 ساعة كاملة، يستثنى منها تلك الساعات القلائل من الراحة التي ترفض قوة العمل، بدونها، رفضا باتا تجديد خدماتها. إنها لمسألة طبيعية أن لا يكون الشغيل، طوال اليوم بأكمله، غير قوة عمل، إن مجمل الوقت الذي تحت تصرفه هو وقت عمل يخص الرأسمال المولد للقيمة.. وفي هذا السياق الأعمى وراء العمل الزائد، لا يتجاوز راس المال الحدود الأخلاقية فحسب، بل يتجاوز الحدود الفيزيولوجية القصوى ليوم العمل. إن رأس المال لا يكترث بطول حياة قوة العمل.. إنه يسبب إتلافها المبكر وموتها، إنه يعمل على تمديد وقت العمل في فترة محددة بتقصير حياة الشغيل.» (ص264-265).
ولكن أليس هذا ضد مصلحة رأس المال نفسه؟ ألا يضطر رأس المال، في سعيه هذا، إلى استعادة تكاليف هذا الإتلاف والاستهلاك المفرطين؟ قد يكون الأمر كذلك من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فإن تجارة العبيد المنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية الجنوبية قد رفعت ممارسة استهلاك قوة عمل العبيد في سبع سنين إلى مصاف مبدأ اقتصادي مسلم به، كما أن الرأسمالي الإنكليزي يعتمد على ما تموله به المناطق الزراعية من أيد عاملة.»
«إنه يرى زيادة دائمة في السكان، أي زيادة سكانية بالمقارنة مع طاقة رأس المال على امتصاص العمل الحي، رغم أن الفيض السكاني يتألف من سيل لا ينقطع من أجيال من الرجال الكسيحين السريعي الذوبان، الذين يتزاحمون مع خلفائهم، ويحين أوان قطافهم قبل النضوج. إن التجربة قد تكشف، للمراقب العادي، كيف أن الإنتاج الرأسمالي رغم أنه لم يبرز إلا بالأمس، من وجهة نظر تاريخية.قد خرّب الجذور الحيوية لقوة الأمة بهذه السرعة، وكيف أن انحطاط الجماهير الصناعية لا يعيقه عائق سوى الاستيعاب المستمر للعناصر الزراعية، وكيف أن هؤلاء الشغيلة الزراعيين، بالرغم من الهواء النقي ومبدأ الاصطفاء الطبيعي السائد بينهم، قد شرعوا بالتدهور. إن الرأسمال الذي يمتلك مثل هذه الدوافع القوية لإنكار عذابات الطبقة العاملة التي يحيا عليها، لا يدع فعاليته تضطرب، كثيرا أو قليلا، بمشهد انحطاط الجنس البشري المقبل، ولا بالنقص السكاني المحتوم، أكثر مما يضطرب لاحتمال ارتطام الكرة الأرضية بالشمس. إن جميع المشاركين في الصناعات ذات الرساميل المساهمة يعرفون أن الصاعقة ستنقض إن آجلا أو عاجلا، إلا أن كل واحد منهم يتوقع سقوط الرعد على رأس جاره، لتتاح له، هو، الفرصة لجمع المطر الذهبي، واختزانه في مكان أمين.وليكن من بعدي الطوفان [60]، هذه هي صيحة الحرب التي يطلقها كل رأسمالي وكل أمة رأسمالية. وعلى هذا فإن رأس المال لا يعبأ بصحة وحياة الشغيل ما لم يرغمه المجتمع على القيام بالعكس، وعلى العموم فإن هذا الاستخفاف بحياة الشغيل لا يتوقف على الإرادة الطيبة أو الشريرة للرأسمالي الفرد. فالمنافسة الحرة تفرض القوانين الذاتية للإنتاج الرأسمالي على جميع الرأسماليين الأفراد في هيئة قوانين طارئة ذات طابع قسري.» (ص 269-270).
إن تحديد يوم العمل الطبيعي جاء نتيجة لصراع دام قرونا عديدة بين رب العمل والشغيل. ومن المثير للاهتمام أن نتتبع صراع هذين التيارين المتعارضين. كانت القوانين تهدف، أول الأمر، إلى إرغام الشغيلة على العمل أطول مدة ممكنة. إلا أن الطبقات الحاكمة لم تفلح، منذ القانون الأول للشغيلة (أيام ادوارد الثالث 1349) وحتى القرن الثامن عشر، لم تفلح في اغتصاب المقدار الكامل للعمل الممكن من الشغيل. ولكن الأحوال انقلبت رأسا على عقب بدخول الماكنة البخارية والآلة الحديثة. كما أن تشغيل النساء والأطفال عجل بتحطيم كافة القيود التقليدية ليوم العمل، بحيث أن القرن الثامن عشر بدأ بنظام تشغيل زائد لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، مما أجبر المشرعين في حدود سنة (1804) على سن قوانين تحدد ساعات العمل. ويقدم لنا السيد ماركس سردا كاملا لتاريخ تشريعات المصانع الإنكليزية حتى قانون ورش العمل الصادر في 1867، مستخلصا منها الاستنتاجات التالية:
1- إن الماكنة والآلات البخارية تسبب العمل الزائد في الفروع الصناعية التي تستخدم فيها أولا، وعليه فإن التقييدات القانونية تطبق على هذه الفروع أول الأمر، ولكننا نجد فيها بعد أن نظام التشغيل الزائد ينتشر في كل الصناعات الأخرى تقريبا، حتى في الصناعات التي لا تستخدم الآلة، أو تلك الصناعات التي ما زالت تسود فيها أكثر أنماط الإنتاج بدائية. (راجع: تقرير لجنة استخدام الأطفال).
2- بدخول النساء والأطفال إلى المصانع يفقد الشغيل «الحر» الفرد قدرته على مواجهة انتهاكات رأس المال، فيضطر للخضوع دون قيد أو شرط وهذا يجعله بحاجة إلى المقاومة الجماعية، فيبدأ حينذاك نضال طبقة ضد طبقة نضال العمال بمجموعهم ضد الرأسماليين بأجمعهم.
إذا ما أعدنا النظر الآن إلى اللحظة التي اعتقدنا فيها أن الشغيل «الحر» و«المتساوي» يتعاقد مع الرأسمالي بحرية، لوجدنا أن العديد من الأمور قد تغيرت إلى حد كبير. إن التعاقد من جانب الشغيل ليس تعاقدا حرا، لأن ساعات اليوم التي له الحرية ببيع قوة عمله خلالها، هي نفس الساعات التي يضطر لبيع قوة عمله خلالها، وأن معارضة العمال، كجماهير، هي وحدها التي تؤدي إلى تشريع قانون عام يمنع بيعهم لأنفسهم وأولادهم للموت والعبودية بموجب عقد «حر». «وبدلا من البيان الفخم عن حقوق الإنسان المشروعة، نال العمال «العهد الأكبر» [61] المتواضع للائحة قانون المصانع».
يتوجب علينا الآن تحليل معدل القيمة الزائدة وعلاقتها بـ«المقدار الكلي» للقيمة الزائدة. ونفترض في هذا البحث كما فعلنا لحد الآن، أن قيمة قوة العمل هي كمية محددة وثابتة.
استنادا إلى هذه الفرضية فإن معدل القيمة الزائدة يحدد، في ذات الوقت، كمية القيمة الزائدة التي يجهز العامل الواحد بها الرأسمالي في وقت معين. فإذا كانت قيمة قوة العمل هذه تساوي -/3 شلنات يوميا، وهذه بدورها تمثل ست ساعات عمل، وكان معدل القيمة الزائدة 100%، فإن رأس المال المتغير الذي قيمته -/3 شلنات ينتج يوميا قيمة زائدة قدرها -/3 شلنات، أي أن العامل يقدم ست ساعات عمل زائد يوميا.
ولما كان رأس المال المتغير هو التعبير النقدي عن كافة قوى العمل المستخدمة في آن واحد معا من قبل الرأسمالي، فإن المجموع الكلي للقيمة الزائدة الذي تنتجه كافة قوى العمل يستخرج بواسطة حاصل ضرب رأس المال المتغير في معدل القيمة الزائدة، وبتعبير آخر فإن المجموع الكلي للقيمة الزائدة يتحدد باستخراج النسبة بين عدد قوى –العمل المستخدمة في وقت واحد وبين درجة الاستغلال (أي معدل القيمة الزائدة). إن أيا من هذه العوامل عرضة للتغير، بحيث يمكن التعويض عن انخفاض أحدهما بارتفاع الآخر. إن رأسمالا متغيرا يستخدم 100 عاملا بمعدل قيمة زائدة 50% (أي ثلاث ساعات عمل زائد يوميا) لن ينتج قيمة زائدة أكبر مما ينتجه نصف هذا الرأسمال المتغير باستخدام 50 عاملا بمعدل قيمة زائدة 100% (أي ست ساعات عمل زائد يوميا). وهكذا، في ظل شروط معينة وفي نطاق حدود معينة، يكون ما يقدمه العمل الخاضع لرأس المال مستقلا عما يقدمه العمال بالفعل. وهناك، على أي حال، حدود مطلقة لرفع القيمة الزائدة برفع معدلها. ومهما تكن قيمة قوة العمل، سواء كانت تمثل ساعتين أو عشر ساعات من العمل الضروري، فإن القيمة الكلية للعمل الذي ينجزه الشغيل لا يمكن أن تبلغ قيمة تساوي 24 ساعة عمل. ولغرض الحصول على كميات متساوية من القيمة الزائدة، يمكن أن يستعاض عن زيادة رأس المال المتغير بزيادة يوم العمل ضمن هذه الحدود فقط. سوف يكون هذا عنصرا مهما في تفسير الظواهر العديدة التي تنشأ عن هذين الميلين المتناقضين لرأس المال:
1- تخفيض عدد العمال المستخدمين، أي تخفيض كمية رأس المال المتغير.
2- إنتاج أكبر كمية ممكنة من العمل الزائد.
يجري الأمر على النحو التالي: «إذا كانت قيمة قوة العمل محددة، ومعدل القيمة الزائدة متساويا، فإن مقداري القيمة الزائدة التي ينتجها رأسمالان مختلفان يتناسبان طرديا مع كمتي رأس المال المتغير اللذين يحتويهما.. ويتناقض هذا القانون بشكل سطحي مع كل التجربة المبنية على مظهر الوقائع. فكلنا نعرف أن غازل القطن الذي يعمل برأس مال ثابت كبير نسبيا ورأس مال متغير ضئيل نسبيا، لا يحصل، بسبب ذلك، على نسبة من الأربح أقل من الخباز الذي يستثمر رأسمالا ثابتا ضئيلا نسبيا، ورأسمالا متغيرا أكبر. ولحل هذا التناقض الحلي لا بد لنا من حلقات ربط عديدة، تماما مثل حاجتنا إلى العديد من حلقات الربط في الجبر الأولي لكي نفهم بأن (صفر: صفر) تمثل كمية حقيقية.» (ص307).
لا يمكن رفع القيمة الزائدة بالنسبة لبلد معين وليوم عمل محدد الطول، إلا بزيادة عدد العمال، أي بزيادة السكان، إن هذه الزيادة تشكل الحد الرياضي لإنتاج القيمة الزائدة من قبل الرأسمال الجماعي لذلك البلد. وإذا كان عدد العمال محددا، من جهة أخرى، فإن حدود القيمة الزائدة تثبت عند أعلى طول ممكن ليوم العمل. سوف نرى، فيما بعد، أن هذا القانون لا يصح إلا على شكل القيمة الزائدة التي قمنا بتحليلها لحد الآن.
ونجد في هذه المرحلة من البحث، أن ليس كل كمية من النقد قابلة للتحول إلى رأس مال، وأن هناك حدا أدنى ضروريا لذلك: كلفة وحدة قوة عمل، وكلفة أدوات العمل اللازمة لتشغيل هذه القوة.
إذا فرضنا أن معدل القيمة الزائدة يساوي 50% [62] فإنه يتوجب على صاحبنا الرأسمالي الرضيع أن يكون قادرا على استخدام شغيلين اثنين ليتمكن هو من العيش مستوى الشغيل الفرد. إلا أن هذا الوضع سوف يمنعه من توفير أي شيء، وغاية الإنتاج الرأسمالي لا تتوقف عند المحافظة على مستوى العيش، بل أيضا وبصورة رئيسية: زيادة الثروة. «فلأجل أن يعيش أفضل مرتين من الشغيل الاعتيادي ولغرض تحويل نصف القيمة الزائدة المنتجة إلى رأسمال فإن عليه أن يكون قادرا على استخدام ثمانية عمال. ويجوز له، بالتأكيد، أن يتولى بنفسه تأدية هذا النصيب من العمل بصحبة عماله، ولكنه مع هذا سيظل سيدا صغيرا، كائنا هجينا في حالة وسطى بين الرأسمالي والشغيل. غير أن تطورا معينا في الإنتاج الرأسمالي يدفع الرأسمالي بالضرورة إلى تكريس كل وقته، الذي ينشط خلاله كرأسمالي، كممثل لرأس المال، لتسيير عمل الآخرين والاستحواذ على عملهم وبيع منتوجات هذا العمل. كانت قيود الطوائف الصناعية في القرون الوسطى تسعى لعرقلة انتقال «المعلم» الصغير إلى رأسمالي وذلك بتقليص الحد الأعلى لعدد العمال الذين يسمح لكل رب عمل باستخدامهم. إن مالك النقد والسلع لا يتحول إلى رأسمالي حقيقي إلا عندما يتمكن من الشروع بجعل الحد الأدنى من العمال أعلى من الحد الأقصى المسموح به في القرون الوسطى. وفي هذا المجال، كما في العلوم الطبيعية، تثبت صحة القانون الذي اكتشفه هيجل: أن التغييرات الكمية المحضة، في نقطة معينة، تؤدي على تغيرات نوعية.» (ص308-309).
إن الحد الأدنى من كمية القيمة اللازمة لتحويل مالك النقد والسلع إلى رأسمالي تختلف باختلاف مراحل تطور الإنتاج الرأسمالي. وفي مرحلة من مراحل هذا التطور تختلف كمية القيمة باختلاف فروع الصناعة. إن علاقة الرأسمالي بالعامل، خلال سير عملية الإنتاج المفصلة أعلاه، تتغير إلى حد كبير.
لقد أضحى رأس المال، قبل كل شيء، مسيرا للعمل، أي مسيرا للعامل نفسه. فالرأسمالي، ممثل رأس المال، يولي عناية فائقة في ضمان تأدية الشغيل لعمله بانتظام ودقة، وبدرجة الشدة المطلوبة. والأكثر من ذلك، إن رأس المال يكون قد تطور إلى علاقة إلزامية ترغم الطبقة العاملة على أداء عمل يفوق ما تقتضيه دائرة احتياجاتها الذاتية الضيقة. إن رأس المال بصفته منتجا لصناعة الغير، ومغتصبا للعمل الزائد، ومستغلا لقوة العمل، أن رأس المال هذا يفوق في نشاطه وكفاءته واندفاعه كل الأنظمة الإنتاجية السابقة رغم أنها ترتكز أيضا على العمل الإجباري المباشر.»
«ويتولى رأس المال، في البداية، تسيير العمل تحت الشروط التكنولوجية التي يجدها قائمة تاريخيا، ولذا فإنه لا يغير، بالضرورة، نمط الإنتاج على الفور. إن إنتاج القيمة الزائدة، في الصيغة التي قمنا بتحليلها إلى الآن أي التي تنشأ عن إطالة يوم العمل، يبدو مستقلا عن أي تبدل يطرأ على نمط الإنتاج نفسه. فقد كانت كفاءة القيمة الزائدة في صناعة الخبز البدائية هي ذاتها في صناعة غزل القطن الحديثة.
«إن العلاقة بين الشغيل وأدوات عمله في عملية الإنتاج التي ينظر إليها كسير عمل مجرد، ليست هي ذات علاقة العمل برأس المال، بل هي علاقة العامل بأدوات النشاط الإنتاجي والمادة الخام. ففي المدبغة، على سبيل المثال، يعامل الشغيل الجلود كموضوع للعمل. إنه لا يدبغ الجلود التابعة للرأسمالي. إلا أن الأوضاع تتغير حالما نرقب سير الإنتاج كعملية لتوليد القيمة الزائدة.
إن أدوات العمل تتغير على الفور لتصبح وسائل امتصاص للعمل. لم يعد العامل هو الذي يستخدم أدوات الإنتاج، بل أن أدوات الإنتاج هي التي تستخدم العامل. ليس هو الذي يستهلك الأدوات كعناصر مادية لنشاطه الإنتاجي، بل هي التي تستهلك العامل كخميرة لسير عملها الحيوي. إن عمل الرأسمالي الحيوي لا يشتمل على شيء غير تلك الحركة المتصاعدة للقيمة. إن المواقد والورش التي تقف خامدة طوال الليل دون أن تمتص عملا تشكل خسارة كبيرة للرأسمالي. ولهذا فإن المواقد والورش تعين لنفسها حقا من عمل الأيدي في الليل. (راجع تقرير لجنة استخدام الأطفال. التقرير الرابع 1865 ص79-85).
«إن تحول النقد إلى وسائل إنتاج يمنح الأخيرة حقا قانونيا وإلزاميا يفرض نفسه على العمل والعمل الزائد للآخرين». (ص 309-310).
هناك، على أية حال، شكل آخر للقيمة الزائدة. إذا تم بلوغ الحد الأقصى ليوم العمل، تبقى لدى الرأسمالي وسائل أخرى لزيادة القيمة الزائدة، وذلك برفع إنتاجية العمل، وبالتالي تنخفض قيمة العمل، مما يقصر فترة العمل الضروري. سوف نتفحص هذا الشكل من القيمة الزائدة في مقال آخر.
صامويل مور [63]



--------------------------------------------------------------------------------

القسم الثاني: سير عملية الإنتاج الرأسمالي
مترجم عن نسخة مصورة بحوزة معهد الدراسات الماركسية-اللينينية.
الناشرون


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأول: «السلع والنقد»
أولا –السلع بما هي عليه

إن ثروة المجتمعات التي يسود فيها الإنتاج الرأسمالي تتألف من السلع. والسلعة هي ذلك الشيء الذي له قيمة-استعمالية، والقيمة-الاستعمالية موجودة في كل أشكال المجتمعات، أما في المجتمع الرأسمالي فإن القيمة الاستعمالية هي المستودع المادي للقيمة التبادلية.
إن القيمة التبادلية تفترض مقدما معادلا ثالثا تقاس به: العمل، تلك المادة الاجتماعية المشتركة للقيمة التبادلية، أو إذا توخينا الدقة نقول، وقت العمل الضروري اجتماعيا لإنتاجها.
وكما أن السلعة شيء مزدوج: قيمة استعمالية وقيمة تبادلية، كذلك شأن العمل الذي تحتويه، فهو يحدد بصورة مزدوجة: فمن جهة هو نشاط إنتاجي معين –كالحياكة والخياطة...الخ، أي «عمل نافع». فهو من جهة أخرى إنفاق بسيط لقوة العمل البشرية أي عمل (عام) مجرد كثيف.
العمل النافع ينتج القيمة الاستعمالية، والعمل العام ينتج القيمة التبادلية، غير أن الثاني قابل للمقارنة من حيث الكم (وتؤكد ذلك الفروق بين العمل الماهر وغير الماهر، بين العمل البسيط والمركب).
من هنا فإن العمل العام هو جوهر القيمة التبادلية، ومقاييس وقت العمل العام هو حجمها. لنتفحص الآن شكل القيمة التبادلية.
س من السلعة آ = ي من السلعة ب
إن قيمة سلعة ما ممثلة في القيمة الاستعمالية لسلعة أخرى تسمى بـ: القيمة النسبية للسلعة.
إن صيغة التعادل بين سلعتين هي التعبير البسيط عن القيمة النسبية. وفي المعادلة المذكورة أعلاه تلعب (ي سلعة ب) دور المعادل، أما (س سلعة آ) فإنها تكتسب هذا الشكل من القيمة شرط أن لا تكون بحالتها الطبيعية، في حين أن (ي سلعة ب) تكتسب في نفس الوقت امتياز قابليتها للتبادل المباشر حتى لو كانت في شكلها الطبيعي. إن القيمة التبادلية للسلعة تهيمن على القيمة الاستعمالية في ظل علاقات تاريخية محددة. من هنا فإن السلعة لا تستطيع التعبير عن قيمتها التبادلية بالاستناد إلى قيمتها الاستعمالية نفسها، بل، فقط، في القيمة الاستعمالية لسلعة أخرى. ولا يمكن لخصائص العمل المادي المتجسد في كلا السلعتين أن تظهر إلى النور باعتبارها عملا إنسانيا مجردا، إلا عند تعادل منتوجين ماديين من منتوجات العمل، أي أن السلعة لا يمكن أن ترتكز إلى العمل المادي الذي تحتويه، باعتبارها الشكل الذي يتحقق فيه العمل المجرد، بل يمكن أن تنسب إلى العمل المادي الذي تحتويه أنواع أخرى من السلع.
إن المعادلة (س من سلعة آ = ي من سلعة ب) تعني بالضرورة أن «س سلعة آ» قابلة للتعبير عنها بسلع أخرى، هكذا:
2) س سلعة آ = ي سلعة ب = ز سلعة ص = ف سلعة د = وسلعة ه =..الخ الخ..
هذا هو الشكل الموسع للقيمة النسبية. في هذه المتعادلات لم تعد «س سلعة آ» مرتبطة بسلعة واحدة، بل بكل السلع باعتبارها الأشكال الحسية للعمل المبذول فيها. ولكن، وبتحوير بسيط نتوصل إلى:
الشكل الثاني المقلوب للقيمة النسبية
ي سلعة ب = س سلعة آ
ف سلعة ص = س سلعة آ
و سلعة د = س سلعة آ
ت سلعة ه = س سلعة آ
...الخ.. الخ.
لقد أعطينا السلع، هنا، شكلا عاما من القيمة النسبية، حيث جردت فيه جميعها من قيمها الاستعمالية وتمت مساواتها بـ«س سلعة آ» باعتبار هذه الأخيرة التجسيد المادي للعمل المجرد، إن «س سلعة آ» هي الشكل العام المعادل لجميع السلع الأخرى، إنها (المعادل العام)، والعمل المتحقق فيها يمثل بنفسه، العمل المجرد أي العمل بشكل عام.
والآ، على أية حال:
4) يمكن لكل سلعة في سلسلة المتعادلات أن تلعب دور المعادل العام، ولكن واحدة من هذه السلع فقط تستطيع أن تكون كذلك مرة واحدة، لأنه إذا كانت جميع السلع معادلات عامة، فإن كل واحدة من هذه السلع سوف تقصي الأخريات، بالتتابع، عن أداء هذا الدور.
إن صيغة التعادل رقم (3) لم يتم استخراجها بواسطة (س سلعة آ)، بل بواسطة السلع الأخرى بصورة موضوعية. ولهذا لا بد لسلعة معينة من أن تلعب هذا الدور –لمرة واحدة، ويمكن أن تتغير- وبهذه الطريقة وحدها تحقق السلعة ذاتها كسلعة بشكل متكامل. إن السلعة الخاصة التي يتطابق شكلها الطبيعي مع شكلها كمعادل عام هي: النقد.
إن الصعوبة في معالجة السلعة ناجمة، مثل كل مقولات نمط الإنتاج الرأسمالي، عن أنها تمثل علاقة فردية تحت غطاء علاقات مادية. إن المنتجين ينسبون أصناف عملهم المتباينة إلى عمل إنساني عام، وذلك بربط إنتاج أحدهم بإنتاج الآخر كسلع، إذ لا يمكن لهم أن يحققوا ذلك دون وساطة الأشياء. وهكذا فإن العلاقات بين الأفراد تظهر على أنها علاقة بين الأشياء.
في المجتمع الذي يسود فيه إنتاج السلع، تكون المسيحية، وبالأخص البروتستانتية، هي الدين المناسب.
ثانيا – عملية تبادل السلع.
في التبادل وحده تبرهن السلعة على أنها سلعة. أن على مالكي سلعتين اثنتين أن يكونا راغبين في تبادل سلعتيهما الخاصتين، وأن يعترفا، بالتالي، بأحدهما الآخر كـ: مالك خاص. إن هذه العلاقة الحقوقية التي تعبر عن نفسها في العقد، ليست إلا علاقة بين إرادات، تعكس العلاقة الاقتصادية، ومحتوياتها قائمة في العلاقات الاقتصادية نفسها. (ص 45 «ص 85»).
إن السلعة هي قيمة استعمالية لغير مالكها، وليست ذات قيمة استعمالية لمالكها. من هنا تنشأ الحاجة إلى التبادل. غير أن كل مالك للسلع يرغب، عبر التبادل، في نيل قيم استعمالية يحتاجها –إلى المدى الذي يكون فيه التبادل عملية فردية. لكن مالك السلع يرغب، من جهة أخرى، في تحقيق سلعته كقيمة، أي مبادلتها لقاء أي سلعة أخرى، بغض النظر عما إذا كانت سلعته ذات قيمة استعمالية لمالك السلع الأخرى أم لم تكن، ويتم ذلك إلى المدى الذي يكون التبادل بالنسبة له عملية اجتماعية بصورة عامة. إلا أن إحدى هذه العمليات لا يمكن أن تكون فردية واجتماعية، في آن واحد معا، بالنسبة لجميع مالكي السلع. إن كل مالك للسلع يعتبر سلعته هو معادلا عاما، ولا يرى في جميع السلع الأخرى غير معادلات معينة لسلعته. وما دام كل مالكي السلع يفعلون ذات الشيء، فلن تكون أية واحدة من سلعهم معادلا عاما، ولهذا لا تمتلك السلع شكل القيمة النسبية العامة التي يمكن بواسطتها مساواة هذه السلع بالسلع الأخرى كقيم، أو مقارنتها ببعضها ككميات من القيم. ولهذا لا تواجه بعضها البعض كسلع بل كمنتوجات (ص 47 «ص86»).
ترتبط السلع ببعضها البعض كقيم، وبالتالي لا تتواجه كسلع إلا عند قيامها بسلعة ثالثة تكون بمثابة معادل عام. والنشاط الاجتماعي هو القادر على جعل سلعة معينة معادلا عاما – النقد.
إن التناقض الحالي في السلعة، باعتبارها الوحدة المباشرة للقيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، باعتبارها نتاج عمل فردي نافع.. وتجسيدا اجتماعيا مباشرا للعمل الإنساني المجرد –أن هذا التناقض لن يهدأ له بال حتى يتتوج بمضاعفة السلعة إلى سلعة ونقد. (ص 84 «ص 87»). وما دامت كل السلع لا تزيد عن مجرد معادلات معينة للنقد، وما دام النقد هو المعادل العام لها، فإن السلع ترتبط بالنقد باعتبارها سلعا خاصة مرتبطة بالسلعة العامة (ص 51 «ص89»).
إن عملية التبادل تمنح السلعة، التي تحولت إلى نقد، شكل القيمة ولا تمنحها القيمة (ص51 «ص 90») الفيتيشية (الصنمية): (الاعتقاد بالقدرات الخارقة للأشياء): لا يبدو أن السلعة تتحول إلى نقد لمجرد كون كل السلع الأخرى تعبر عن قيمتها بالنقد، بل بالعكس يبدو أن السلع تعبر عن قيمتها بواسطة النقد لأنه نقد.
ثالثا- النقد، أو دوران السلع.
(آ) مقياس القيم
(ذهب افتراضي = النقد).
إن النقد باعتباره مقياسا للقيمة، هو الشكل الحسي الضروري لقياس القيمة الكامنة في السلع، أي زمن العمل. إن التعبير النسبي البسيط عن قيمة السلع بالنقد:
س سلعة آ = ي نقد، هو سعرها (ص55 «ص 95»).
إن سعر سلعة ما، أي شكلها النقدي، يعبر عنه بالنقد المتخيل، من هنا فإن النقد ليس إلا مقياسا مثاليا للقيم (ص 57 «ص 95»).
ولكن ما أن يتم الانتقال من القيمة إلى السعر حتى يصبح من الضروري تكنيكيا تطوير مقياس القيم إلى أبعد من ذلك، إلى معدل للسعر، أي تحديد كمية من الذهب تقاس بواسطتها كميات متباينة من الذهب. وهذا يختلف تمام الاختلاف عن مقياس القيم الذي يعتمد بدوره على قيمة الذهب، في حين أن الذهب ليس مهما بالنسبة لمعدل الأسعار. (ص 59 «ص 97-98»).
ما أن يتم التعبير عن الأسعار بأسماء حسابية من الذهب حتى يقوم النقد بخدماته كـ نقد حسابي.
إذا كان السعر، باعتباره ممثلا لحجم قيمة سلعة ما، هو الممثل للنسبة التبادلية بين السلعة والنقد، فهذا لا يستتبع بالضرورة أن لا يكون ممثل نسبة التبادل بين السلعة والنقد ممثلا لحجم قيمة السلعة بالضرورة. وإذا افترضنا ان الظروف تبيح أو ترغم على بيع سلعة ما أعلى أو أدنى من قيمتها، فإن أسعار البيع لا تتطابق مع قيمة السلعة، إلا أنها مع ذلك تبقى أسعارا للسلعة وذلك لأن: (1) النقد هو شكل القيمة. و (2) الأسعار هي ممثلة لنسبة تبادل السلعة مع النقد. ولهذا فإن إمكانية الصراع الكمي بين السعر وحجم القيمة معطى في شكل السعر نفسه. وليس ذلك نقصا في هذه الصيغة، بل هو، على العكس، يجعلها الشكل المناسب لنمط إنتاج تحقق القاعدة نفسها على أنها القانون الأعمى لفوضى المعادلات. إن شكل السعر، على أية حال، يمكن أن يخفي تناقضا، بحيث أن السعر يكف عن أن يكون تعبيرا عن القيمة. إن الضمير.. الشرف..الخ، يمكن أن تنال شكل السلع بواسطة أسعارها (ص61 «ص102»).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق