كيف تصنع ايديولوجيتك

ايديولجيتك = مبدأك = افكارك = شخصيتك = مستقبلك

ابحث عن المعنى الغائب هنـــــــــا

الأربعاء، 11 أغسطس 2010

موجز رأس المال 2


يقول تورجو، أن كل أنماط رجال الأعمال يعرفون أنهم يمارسون: الشراء من أجل البيع. أن مشترياتهم هي بمثابة سلف تعاد إليهم فيما بعد.
الشراء من أجل البيع، هذه هي الصفة التي يقوم بها النقد، حقا، بوظيفته كرأسمال، والتي تتطلب بالضرورة عودة النقد إلى نقطة انطلاقه الأولى. وهذا يتناقض مع عملية «البيع من أجل الشراء» التي يقوم فيها النقد بوظيفة التداول فقط.
وهكذا نرى أن التسلسل المختلف الذي تتعاقب بموجبه عمليات البيع والشراء تفرض على النقد حركتين مختلفتين في التبادل. وبغية إيضاح هاتين العمليتين، فإن المؤلف يعرض علينا الصيغة التالية:
البيع من أجل الشراء: السلعة (س) تبادل لقاء النقد (ن)، وهذا الأخير يبادل ثانية لقاء سلعة جديدة (س). أي س – ن – س.
الشراء من أجل البيع: يبادل النقد (ن) لقاء السلعة (س)، وتبادل السلعة من جديد لقاء النقد. أي: ن – س – س.
إن الصيغة س – ن – س تمثل التداول البسيط للسلع حيث يعمل النقد كوسيلة للدوران أي كوسيط للتداول. يحلل المؤلف هذه الصيغة في الفصل الأول من الكتاب الذي يضم نظرية جديدة وبسيطة عن القيمة والنقد ذات أهمية قصوى من الناحية العلمية، ولكننا نصرف النظر عنها، هنا، ما دامت بشكل عام، قليلة الأهمية بالنسبة للنقاط الحيوية في آراء السيد ماركس عن رأس المال.
إن الصيغة ن – س – ن تمثل، من ناحية أخرى، شكل التداول الذي يحول النقد نفسه فيه إلى رأسمال.
إن عملية الشراء من أجل البيع: ن – س – ن يمكن أن تنحل، كما هو واضح، إلى ن – ن. إنه تبادل غير مباشر للنقد لقاء النقد. لنفترض أنني اشتريت قطنا لقاء (1000) جنينه وبعته بـ (1100) جنيه فإنني أكون في النهاية قد بادلت (1000) جنيه بـ (1100) جنيه، أي مبادلة نقد لقاء نقد.
ولكن إذا كانت هذه العملية تقود، دوما، إلى إعادة نفس الكمية من النقد التي دفعتها سلفا، فأنها ستكون بلا معنى، أما إذا كان التاجر الذي دفع (1000) جنيه سلفا، يتلقى (1100) أو (1000) أو حتى (900) من الجنيهات فإن نقوده تمر بمرحلة تختلف جوهريا عن مراحل الصيغة س – ن – س والصيغة الأخيرة تعني البيع من أجل الشراء، يبيع ما لا تريده لكي تكون قادرا على شراء ما تحتاجه فعلا.
لنقارن هاتين الصيغتين.
إن كل عملية من هاتين العمليتين، مؤلفة من مرحلتين أو فعلين، وهذان الفعلان متماثلان في كلتا الصيغتين، ولكن هناك اختلاف هائلا بين كلتا العمليتين.
في س – ن – س النقد ليس أكثر من وسيط والسلعة، القيمة الاستعمالية، تشكل نقطة البداية والنهاية.
في س – ن – س النقد ليس أكثر من وسيط والسلعة،القيمة الاستعمالية، تشكل نقطة البداية والنهاية.
في الصيغة ن – س – ن السلعة هي حلقة الربط بينما النقد يشكل نقطة البداية والنهاية.
في س – ن – س النقد يصرف مرة واحدة ونهائيا، أما في ن – س – ن فالنقد يدفع على أمل استرجاعه ويعود فعلا إلى نقطة انطلاقه. وبهذا نكون قد بلغنا أول فرق حسي بين دوران النقد كوسيلة تداول، ودورانه كرأسمال.
في عملية البيع من أجل الشراء س – ن – س، يمكن أن يرجع النقد إلى نقطة انطلاقه شرط أن تتكرر العملية برمتها، وأن يتم بيع كمية جديدة من السلع. إن عودة النقد، على هذا الأساس، مستقلة عن سير العملية نفسها. ولكن عودة النقد في ن – س – ن أمر ضروري ومقصود من البداية، وإذا لم يتحقق فإن هناك عقبة في مكان ما، وتظل العملية ناقصة.
إن هدف البيع من أجل الشراء هو اقتناء القيمة القابلة للاستعمال أما هدف الشراء من أجل البيع فهو تملك القيمة القابلة للتبادل.
في الصيغة س – ن – س: القطبان، من وجهة نظر اقتصادية، متماثلان. فكلاهما سلعة، ولكليهما نفس المقدار من القيمة، لأن نظرية القيمة بأكملها تفترض، اعتياديا، أن المتعادلات وحدها يجري تبادلها. إن هذين القطبين س – س هما في نفس الوقت قيمتان استعماليتان مختلفتان في النوعية ولهذا الاعتبار بالذات يتم تبادلهما.أما في ن – س – ن فإن سير العملية يبدو بأكمله ومنذ اللمحة الأولى خاليا من أي معنى. فمبادلة 100 جنيه بـ 100 جنيه بطرق ملتوية يبدو عبثا. إذ لا يختلف مبلغ من النقد عن مبلغ آخر من النقد إلا بالكمية. وعلى هذا فإن ن – س – ن لا تكتسب أي معنى إلا باختلاف قطبيها اختلاف كميا. ولا بد أن يكون النقد المستخرج من التداول أكثر مما وضع فيه. فالقطن المشتري بـ 1000 جنيه يباع بـ 1100 جنيه = 1000 + 100، وتغير المعادلة التي تمثل العملية بالتالي إلى:
ن – س – Ω ، حيث أن Ω = ن + ∆ ن، أي النقد مضافا إليه الزيادة. إن هذه الزيادة (∆ ن) هي ما يطلق عليه ماركس: القيمة الزائدة [49]. إن القيمة المدفوعة أصلا لا تصون نفسها فحسب بل تضيف إلى نفسها زيادة، إنها تولد قيمة، وسير العملية هذا الذي يحول النقد إلى رأس مال. في صيغة التداول س – ن –س يمكن للقطبين بالتأكيد أن يختلفا في القيمة أيضا، ولكن مثل هذه الأحوال مغايرة تماما، فالتداول لا يفقد معناه في حالة تعادل القطبين، بالعكس، لأن من شروط مميزاتها الطبيعية أن يكونا كذلك.
إن تكرار عملية التداول س – ن – س مرهون بظروف خارجة، تماما، عن نطاق سير التبادل نفسه: بمتطلبات الاستهلاك.
ولكن في ن – س – ن تكون البداية والنهاية متماثلتين في النوعية، وبسبب ذلك وحده فإن حركتها مستمرة. لا ريب أن ن+∆ ن تختلف من حيث الكم عن ن، مع هذا فإن الأولى لا تزيد عن مبلغ محدود من النقد. إذا بددته فإنه سيكف عن أن يكون رأسمالا، وإذا سحبته من التداول أضحى كنزا ثابتا. وما أن تحل الرغبة لدخول عملية جعل القيمة تلد قيمة جديدة، وهذه الرغبة موجودة في Ω كما في ن، فإن حركة رأس المال تصبح دائمية ولا نهائية، ذلك لأنه في ختام كل جزء منفصل من الصفقة لا تبلغ العملية هدفها النهائي أكثر من ذي قبل. إن مزاولة هذه العملية دون انقطاع تحول مالك النقد إلى رأسمالي.
إن الصيغة ن –س – ن تنطبق، ظاهريا، على التجار الرأسماليين وحدهم. إلا أن رأسمال أرباب الصناعة، هو الآخر، نقد يبادل لقاء سلعة، وهذه بدورها تبادل لقاء نقد أكثر، في مثل هذه الحالة تدخل، بلا ريب، عدد من العمليات بين لحظة الشراء والبيع، عمليات تمارس خارج نطاق التبادل الصرف، إلا أنها لا تغير من طبيعته شيئا. ونرى نفس العملية، من جهة أخرى، في أكثر صيغها إيجازا في رأس المال المفترض لقاء فائدة ربوية. وتتضاءل صيغة العملية هنا إلى ن - Ω ، قيمة أكبر من نفسها. ولكن من أين تنبثق الزيادة في ن، من أين تنبع هذه القيمة الزائدة؟
إن بحوثنا السابقة في طبيعة السلع والقيمة، والنقد والتداول نفسه، لا تترك سؤالنا بدون تفسير وحسب، بل يبدو أنها تستبعد تدخل أي شكل من أشكال من أشكال تبادل السلع في خلق شيء ما مثل القيمة الزائدة. إن كل الفرق بين دوران السلع (س – ن – س) ودوران النقد كرأسمال (ن – س – ن) يبدو قائما في القلب البسيط لسير العملية، ولكن كيف يمكن للعملية المقلوبة أن تؤدي إلى مثل هذه النتيجة الغريبة؟ زد على ذلك: إن قلب العملية لا يحدث إلا لواحد من ثلاثة أطراف فيها. فأنا كرأسمالي أشتري سلعة من (آ) وأبيعها ثانية إلى (ب). إن (آ) و(ب) يبدوان مجرد شاريين وبائعين للسلع. أنا نفسي أبدو، لدى الشراء من (آ) مالكا للنقد، وفي بيعي لـ(ب) أبدو، مالكا للسلعة. ولكنني لا أبدو، في كلتا الصفقتين، كرأسمالي، كممثل لشيء يختلف عن النقد والسلعة. بالنسبة لـ(آ) بدأت الصفقة بالبيع، أما بالنسبة لـ(ب) فقد بدأت بالشراء. وإذا ظهرت الصيغة س – ن – س مقلوبة من وجهة نظري (أي ن – س – ن) فإنها ليست كذلك من وجهتي نظر (آ) و(ب). كما أنه ليس ثمة ما يمنع (آ) من بيع سلعته إلى (ب) دون وساطتي وعندها لن تطرأ أية مناسبة لتوليد قيمة زائدة. لنفترض أن (آ) و(ب) يشتريان احتياجاتهما الخاصة من أحدهما الآخر مباشرة. كلاهما سوف يكون رابحا بقدر ما يتعلق الأمر بالقيمة الاستعمالية. ولربما يكون بوسع (آ) أن ينتج من سلعته الخاصة أكثر مما يستطيع (ب) إنتاجه في نفس المقدار من الزمن، والعكس بالعكس، وفي هذه الحالة يكون الاثنان رابحين. ولكن الوضع يختلف بخصوص القيمة التبادلية، فيما لو كان النقد يخدم كوسيط أو لا.
إذا تفحصنا التداول البسيط بشكل مجرد، أي إذا استبعدنا كل الظروف التي لا يمكن الاستدلال عليها من القوانين الداخلية لتداول السلع البسيط، فإننا نجد في هذا التداول البسيط، إلى جانب استبدال قيمة استعمالية بقيمة استعمالية أخرى، محض تغيير في شكل السلعة. إن نفس قيمة التبادل ونفس الكمية من العمل الاجتماعي المثبتة في المنتوج، تبقى بحوزة مالك السلعة، سواء كانت (السلعة) على هيئة هذه السلعة نفسها أو على صورة النقد الذي بيعت لقاءه، أو على شكل السلعة الثانية المشتراة بالنقد. هذا التبدل في الشكل لا يقحم، بأي حال من الأحوال، أي تغيير على كمية القيمة، تماما مثل تبديل خمسة جنيهات ورقية بخمسة جنيهات ذهبية. وطالما ليس هناك إلا محض تبديل في شكل القيمة عند التبادل، فلا بد من أن يكون التبادل بين منتوجات متعادلة، على الأقل عندما يجري (التبادل) بشكل نقي وتحت ظروف طبيعية. إلا أنه يمكن بيع السلع بأسعار أعلى أو أدنى من قيمتها، وإذا ما حدث ذلك فإن قانون تبادل السلع ينتهك على الدوام. إن تبادل السلع، في شكله الطبيعي الخالص، ليس وسيلة لخلق القيمة الزائدة. من هنا ينبع خطأ كل الاقتصاديين الذين حاولوا اشتقاق القيمة الزائدة من تبادل السلع مثل (كونديلاك). سوف نفترض على أي حال، أن التبادل لا يجري تحت ظروف طبيعية وأنه يتم تبادل منتوجات غير متعادلة. لندع، على سبيل المثال، كل الباعة يبيعون سلعهم بسعر أعلى من قيمتها بنسبة 10%. لا ريب أن الجميع يخسرون من جديد كمشترين لما سبق أن ربحوه كباعة. سوف يكون الأمر، بالضبط، كما لو أن قيمة النقد قد انخفضت 10%. والعكس يعطي نفس النتائج، أي إذا ما اشترى كل المشترين السلع بأدنى من قيمتها 10%. كما أننا لا نقترب قيد أنملة من الحل بافتراضنا أن كل واحد من مالكي السلع يبيع سلعه بأعلى من قيمتها بصفته منتجا، ويشتري السلع بأعلى من قيمتها بصفته مستهلكا.
إن المتمسكين بوهم انبثاق القيمة الزائدة من الزيادة الاسمية التي تضاف على أسعار السلع يفترضون دوما وجود طبقة تشتري دون أن تبيع، وتستهلك دون أن تنتج. إلى هذه المرحلة من بحثنا، لا نجد تفسيرا لوجود مثل هذه الطبقة. لنعترف أنها موجودة. من أين تتلقى هذه الطبقة النقد الذي تظل تشتري بواسطته؟ إنها تأخذه، كما هو جلي، من منتجي السلع بالقوة، سواء كان اللقب الذي تتستر به قانونيا أو إجباريا –أي من غير تبادل.إن بيع السلع إلى هذه الطبقة بأعلى من قيمتها لا يعني شيئا سوى استعادة جزء من المال الذي أهدي لها مجانا. هكذا كانت المدن الآسيوية تدفع الجزية للرومان وتستعيد جزءا من هذا المال بخداع الرومان في التجارة؟ إلا أن هذه المدن كانت، رغم كل ذلك، أكثر الطرفين خسارة. هذه ليست وسيلة خلق القيمة الزائدة.
لنفترض حالة الخداع. (آ) يبيع إلى (ب) خمرا قيمته 40 جنيها مقابل أذرة قيمتها 50 جنيها. لقد ربح (آ) 10 جنيهات، وخسر (ب) 10 جنيهات ولكن الاثنين لا يمتلكان إلا 90 جنيها كما في السابق. لقد انتقلت القيمة ولم تولد. إن الطبقة الرأسمالية في بلد ما، لا يمكن أن تضاعف ثروتها الخاصة بخداع أفرادها لبعضهم البعض.
وعليه: إذا جرى تبادل المتساويين فلن ينشأ عن ذلك قيمة زائدة؟ وإذا تم تبادل غير متساوية فلن ينجم عن ذلك أي قيمة زائدة أيضا. كما أن دوران السلع لا يخلق قيمة جديدة. ولهذا السبب بالذات لا يؤخذ بنظر الاعتبار شكلا رأس المال الأكثر قدما وشيوعا، وهما رأس المال التجاري ورأس المال الربوي. ولتفسير القيمة الزائدة التي يحققها هذان الشكلان من رأس المال بعيدا عن كونها مجرد نتيجة للنصب والاحتيال، لا بد من توفر عدد من الروابط الوسيطة، إلا أنها ما زالت تعوزنا في هذه المرحلة من البحث. وسوف نرى، فيما بعد، أن رأس المال الربوي والتجاري ليسا إلا شكلين ثانويين، وسوف نتقصى السبب الذي يجعل ظهورهما في التاريخ سابقا، بفترة طويلة، لظهور الرأسمال الحديث.
لا يمكن أن تنشأ القيمة الزائدة، إذن، من دوران السلع. ولكن أيمكن أن تنشأ خارجه، إن مالك السلعة خارج الدوران، هو ببساطة منتج تلك السلعة التي تتحقق قيمتها بكمية العمل التي تحتويها، وتقاس هذه الكمية بقانون محدد اجتماعيا. ويعبر عن هذه القيمة بالنقد الحسابي، ولنقل بسعر 10 جنيهات. إلا أن سعر الـ (10) جنيهات ليس في نفس الوقت سعر (11) جنيها. إن العمل الذي تحتويه السلعة يخلق قيمة، ولكن لا توجد قيمة تكوّن قيمة جديدة. إن بوسعها أن تضيف قيمة جديدة للقيمة الموجودة من قبل، وذلك بمجرد إضافتها عملا جديدا.
كيف يتأتى لمالك السلعة، خارج نطاق الدوران، وبدون أن يكون على اتصال مع مالكي السلع الآخرين، أن ينتج قيمة زائدة، أو بعبارة أخرى، كيف يمكنه أن يحول السلعة أو النقد إلى رأس مال؟
«لا يمكن لرأس المال، إذن، أن ينشأ من تداول السلع كما لا يمكن أن لا ينشأ من هذا التداول. يتوجب على رأس المال أن يجد منبعه في التداول، وفي غير التداول أيضا. ينبغي أن يفسر تحول النقد إلى رأسمال على أساس القوانين الخاصة بتداول السلع، وتبادل السلع المتساوية يشكل نقطة الانطلاق. إن مالك النقد، وهو بعد في حالة جنين رأسمالي مضطر لشراء السلع بقيمتها وبيعها بقيمتها ومع ذلك يستخلص من سير العملية نقدا [50] أكثر مما وظف فيها. إن تطوره إلى رأسمالي ينبغي أن يتم في نطاق تداول السلع، وخارج هذا النطاق في ذات الوقت. هذه هي حدود المشكلة. هنا رودس فلترقص هنا [51]».(ص 165-166)
والآن الحل:
«إن الزيادة في قيمة النقد الذي يتحول على رأسمال لا يمكن أن تحدث في ذلك النقد نفسه، لأن النقد، كوسيلة شراء، ووسيلة دفع لا يقوم إلا بتحقيق سعر السلعة التي يقوم بشرائها أو يدفع لقاءها، وإذا ما بقي في شكله النقدي، دون أي تبادل، فإنه لن يستطيع تغيير قيمته إطلاقا. ولا يمكن أن ينشأ التبدل من الفصل الثاني من العملية (ن – س – ن)، أي إعادة بيع السلعة (س – ن) لأن هذا البيع يحول السلعة من شكلها الطبيعي إلى شكلها النقدي. لا بد أن هذا التبدل يحدث في السلعة التي تم شراؤها في القسم الأول (ن - س)، إلا أنه لا يمكن أن يحدث في نطاق قيمتها عند التبدل، لأننا نتبادل سلعا متساوية، والسلعة تشتري بقيمتها الفعلية. لا يمكن أن ينشأ هذا التبدل، إذن، إلا من قيمة هذه السلعة عند الاستعمال، أي من الاستعمال الذي يستخلص منها. ولغرض استخراج قيمة للتبادل من استعمال سلعة ما، فلا بد أن يكون لمالك النقد حظا كبيرا في أن يكتشف، في نطاق التداول، في السوق، سلعة معينة تكون قيمتها النافعة محتوية على ميزة غريبة في كونها مصدرا للقيمة التبادلية، سلعة يكون استهلاكها إنجازا لعمل ما، وبالتالي خالقا للقيمة. ويعثر مالك النقد، في السوق، على هذه السلعة الخاصة: القدرة على العمل، أو قوة العمل، إن ما نعنيه بـ(القدرة على العمل) أو قوة العمل، هو المجموع الكلي للقدرات الجسدية الموجودة في أهاب الكائن البشري الحي والتي يستخدمها لدى إنتاجه للقيم النافعة».
«ولتمكين مالك النقد من مواجهة قوة العمل كسلعة، في السوق، لا بد من تحقق عدة شروط: أولا، أن نتبادل السلع، بذاته، لا يتضمن أي علاقات تبعية ما عدا التي تنشأ عن طبيعة التبادل نفسه. وعلى هذا الافتراض، تظهر قوة العمل كسلعة، في السوق، بقدر ما تعرض للبيع أو تُباع من قبل مالكها، الشخص الذي تكون هي قوة عمله. ولكي تمكن مالك قوة العمل من بيعها كسلعة، لا بد أن يكون قادرا على التصرف بها، لا بد أن يكون مالكا حرا لقوة عمله، ولشخصه. إنه يواجه مالك النقد في السوق، ويعقدان صفقة عمل كمالكين حرين مستقلين للسلع، ولا يختلفان إلا في أن أحدهما بائع والآخر مشتر. إن علاقة المساواة القانونية هذه ينبغي أن تستمر، فمالك قوة العمل يستطيع، لهذا، أن يبيع قوة عمله لوقت محدد. وإذا ما باعها بكليتها، مرة واحدة، ونهائيا، فإنه يكون قد باع نفسه، ويتحول من رجل حر، إلى عبد، من مالك سلعة إلى سلعة.. الشرط الثاني الضروري لتمكين مالك النقد من مواجهة قوة العمل كسلعة في السوق، هو هذا: أن يكون مالك قوة العمل مرغما على بيع قوة عمله نفسها المتجسدة في شخصه، بدلا من بيع سلع أخرى يتجسد فيها عمله.»
«ولا يمكن لأي منتج أن يبيع سلعا غير قوة عمله، ما لم يكن مالكا لوسائل الإنتاج والمواد الخام، وأدوات العمل.. الخ. إنه يعجز عن صنع أحذية بدون جلود. ويحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى وسائل للعيش. إذ لا يمكن لأي إنسان أن يقتات على منتجات يصنعها في المستقبل، ولا أن يعيش على قيم نافعة لم يقم بعد بإكمال إنتاجها، مثلما أن الإنسان، في اليوم الأول لظهوره على مسرح الحياة، مرغم على الاستهلاك قبل وأثناء قيامه بالإنتاج. وإذا كان منتوجه قد أنتج على أنه سلعة، فلا بد من أن يتم بيعه بعد الإنتاج، ولا يمكن أن يؤمن احتياجاته إلا بعد تحقق البيع. إن زمن الإنتاج يطول بالزمن اللازم لتحقيق البيع».
«إن تحول النقد إلى رأسمال يتطلب، لذلك، أن يواجه مالك النقد، في السوق، شغيلا حرا بمعنى مزدوج، حيث أنه كشخص حر: قادر على التصرف بقوة عمله من جهة، ولا يمتلك أية سلعة أخرى للبيع من جهة أخرى، أي أن يكون غير معاق بصورة تامة، أو منعتقا كلية من كل الأشياء الضرورية لوضع قوة عمله قيد العمل».
«إن سبب مجيء الشغيل الحر للقاء مالك النقد في السوق ليس مهما في نظر الأخير. فسوق العمل بالنسبة له ليس إلا واحدا من الأقسام العديدة للسوق العامة للسلع. ولا نجد نحن أيضا من جهتنا أية فائدة في طرح السؤال عن السبب في اللحظة الراهنة، إلا أننا نتمسك به نظريا، مثلما يتمسك هو به عمليا. إلا أن ثمة أمرا واضحا: ليست الطبيعة هي التي تنتج مالكي نقد وسلع من جهة ومعدمين إلا من ملكية قوة العمل من جهة أخرى. إن هذه العلاقة لا تنتمي إلى التاريخ الطبيعي. فهي نتيجة صيرورة تاريخية طويلة، إنها نتاج عدد من الثورات الاقتصادية، ودمار سلاسل كاملة لمراحل قديمة من الإنتاج الاجتماعي».
«إن المقولات الاقتصادية التي قمنا بتحليلها آنفا، ممهورة بخاتم منبعها التاريخي. إن ظهور المنتوج على شكل سلعة، يتطلب شروطا تاريخية معينة. ولكي يكون المنتوج سلعة ينبغي أن لا يكون قد أنتج على أنه وسيلة العيش المباشرة للمنتج. وإذا تساءلنا الآن: كيف وتحت أية شروط تتخذ كل المنتوجات، أو على الأقل العلبية العظمى منها، شكل السلع؟ لوجدنا أن ذلك يجري على أساس نظام إنتاجي معين دون غيره: إنه نمط الإنتاج الرأسمالي. إلا أن هذا التساؤل كان بعيدا تمام البعد عن تحليل السلعة. إن الإنتاج وتبادل السلع قد يجري دون أن تتحول الغالبية العظمى من المنتوجات – التي تنتج للاستعمال الذاتي العائلي المباشر- إلى سلع، وبذلك تكون عملية الإنتاج الاجتماعي، على اتساعها وعمقها، ما تزال بعيدة عن أن تصبح خاضعة للقيمة التبادلية.. أو كما نرى في تحليلنا للنقد، إن وجود النقد يفترض تطورا معينا في تبادل السلع.
إن الأشكال الغريبة لوجود النقد (كوجوده على شكل معادل بسيط، أو وسيلة تداول، أو وسيلة دفع أو اكتناز أو نقد عام (Universal Money) والتي يمكن أن يسود هذا الشكل منها أو ذاك، تشير بالضبط إلى المراحل المختلفة لسير الإنتاج الاجتماعي، ذلك أن التجربة تبين لنا أن التداول حتى إذا كان في حالة غير ناضجة نسبيا، يكفي لانبثاق كل أشكال النقد هذه. أما مع رأس المال فإن الوضع يختلف. فالشروط التاريخية اللازمة لانبثاقه بعيدة كل البعد عن التحقق مع ظهور تداول السلع والنقد وحدهما. إن رأس المال لا يمكن أن ينبثق إلا عندما يواجه مالك وسائل الإنتاج والعيش الشغيل الحر الذي يعرض قوة عمله للبيع في السوق، وهذا الشرط وحده يتطلب عصورا من التطور التاريخي. هكذا يعلن رأس المال عن نفسه، فورا، كمرحلة خاصة في صيرورة الإنتاج الاجتماعي». (ص 167-170).
علينا الآن أن نتفحص هذه السلعة الغريبة: قوة العمل. إن لهذه السلعة قيمة تبادلية مثل كل السلع الأخرى، وهذه القيمة تحدد بنفس طريقة تحديد قيم كل السلع الأخرى: بوقت العمل اللازم لإنتاجها، والذي يتضمن إعادة إنتاجها. إن قيمة قوة العمل تساوي وسائل العيش الضرورية لبقاء مالكها في حالة طبيعية من اللياقة للعمل. إن وسائل العيش تنتظم، بتأثير المناخ والشروط الطبيعية الأخرى، وفق معدل يتحدد بالتطور التاريخي لكل بلد. وتتنوع هذه المعدلات، إلا أنها تكون محددة في بلد معين وفترة تاريخية معينة. وتتضمن بالإضافة إلى ذلك، وسائل العيش اللازمة للتعويض عن الشغيلة التالفين، لأطفالهم، وذلك لتمكين هذا النصف الغريب من مالكي السلع، من تخليد نوعه. وتتضمن أخيرا كلفة التعليم بالنسبة للعمل الماهر. إن الحدود الدنيا لقيمة قوة العمل هي قيمة الضرورات الفيزيولوجية المطلقة للحياة. فإذا تدنى سعرها إلى هذا الحد فإنها تهبط إلى أدنى من قيمتها، ما دامت القيمة تشمل قوة عمل من نوع طبيعي وليس من نوع أدنى.
إن طبيعة العمل تكشف بجلاء أن قوة العمل لا تستخدم إلا بعد إبرام صفقة البيع، ولا يدفع للعمل، في كل البلدان ذات الإنتاج الرأسمالي، إلا بعد إنجازه.
وهكذا فإن العامل، في كل مكان، يقرض الرأسمالي.
ويقدم لنا السيد ماركس أمثلة مثيرة عن النتائج العملية لهذا القرض الذي يمنحه العمال للرأسمال، استقاها من التقارير البرلمانية التي نحيل القارئ، من أجلها، إلى الكتاب نفسه.
عند استهلاك قوة العمل، ينتج مشتريها، على الفور، سلعا وقيمة زائدة، ولكي نتفحص ذلك ينبغي علينا أن نغادر حقل التبادل وندخل حقل الإنتاج.
نجد هنا، في الحال، أن سير العمل ذو طبيعة مزدوجة، فهو، من ناحية، العملية البسيطة لإنتاج القيمة النافعة، أي تلك القيمة التي يمكن وينبغي أن توجد في ظل كل الأشكال التاريخية للوجود الاجتماعي، ومن ناحية أخرى، هو العملية التي تتحقق في ظل الشروط المحددة للإنتاج الرأسمالي كما ذكرنا آنفا. هذه الشروط هي التي ينبغي أن نتحراها الآن. إن لسير العمل، على أساس رأسمالي، خاصيتين. أولا: أن الشغيل يعمل تحت إشراف الرأسمالي الذي يولي عناية فائقة لمنع تبديد أي شيء، وإلى أن لا يبذل في أية قطعة عمل منفردة أكثر من كمية العمل اللازمة اجتماعيا.
ثانيا: إن المنتوج ملك للرأسمالي، والعملية نفسها تجري بين شيئين يخصانه: قوة العمل وأدوات العمل. إن الرأسمالي لا يعبأ بالقيمة النافعة إلا بقدر ما تندمج في القيمة التبادلية، أو قبل كل شيء بقدر ما تنضم إلى القيمة الزائدة. إن هدفه يتلخص بإنتاج سلعة ذات قيمة أعلى من كمية القيمة التي وظفت لإنتاجها. كيف يمكن تحقيق ذلك؟
لنأخذ سلعة معينة، نسيج القطن مثلا، ونحلل كمية العمل المتجسدة فيها. نفترض أننا نحتاج لإنتاج 10 ليبرات من النسيج إلى 10 ليبرات من القطن قيمتها 10 شلنات (نترك جانبا ما يفقد من القطن أثناء الإنتاج). هناك أدوات عمل أخرى معينة لازمة للإنتاج: ماكنة بخارية، ماكنة حلج، آلات أخرى، فحم، شحوم تزييت..الخ. ولتبسيط الأمور نطلق على كل هذه الأدوات اسم «المغزل»، ولنفترض أن حصة استهلاك المكائن والضياعات والفحم..الخ اللازم لغزل عشر ليبرات من الخيط تمثل قيمة 2 شلن يصبح لدينا:
قطن 10 شلنات + مغزل 2 شلن = 12 شلن.
إذا كانت الـ 12 شلنا تمثل قيمة منتوج (24) ساعة عمل، أو يومي عمل، فإن القطن والمغزل يضيفان إلى النسيج يومي عمل. والآن كم يضاف إليه بالغزل؟
لنفترض أن قيمة قوة العمل، لليوم الواحد، هي 3 شلنات، وأن هذه الـ 3 شلنات تمثل عمل ست ساعات. وأن هذه الساعات الست تكفي لغزل 10 ليبرات من الخيط بواسطة شغيل واحد. في هذه الحالة أضيف بالعمل 3 شلنات إلى المنتوج وتصبح قيمة الـ 10 ليبرات من النسيج مساوية لـ 15 شلنا، أو سُدس بنس لكل ليبرة.
إن هذه العملية شديدة البساطة، إلا أنها لا تتسبب في إنتاج أية قيمة زائدة، ولا يمكنها أن تسبب، لأن الأمور في الإنتاج الرأسمالي لا تجري بهذه الطريقة البسيطة.
«لقد افترضنا أن قيمة قوة العمل تساوي -/3 شلنات يوميا، وأن هذا المبلغ يمثل ست ساعات عمل. فإذا كانت قيمة نصف يوم عمل تكفي لإعالة الشغيل 24 ساعة، فليس هناك ما يمنع نفس الشغيل من العمل يوما كاملا. إن القيمة التبادلية لقوة العمل والقيمة التي تستطيع إنتاجها هذه القوة، هما كميتان مختلفتان تمام الاختلاف، وهذا الاختلاف بالذات هو الذي كان الرأسمالي قد رآه عندما وظف ماله في تلك السلعة.
إلا أن صاحبنا الرأسمالي كان ينظر إلى أبعد من ذلك، أن ما يجذبه هو الظروف الخاصة التي تجعل من قوة العمل هذه منبعا للقيمة التبادلية، وذات قيمة تبادلية أعلى من القيمة التي تحتويها. هذه هي «الخدمة» الغريبة التي يتوقعها الرأسمالي من قوة العمل. ولدى قيامه بذلك، فإنه يتصرف وفق القوانين السرمدية لتبادل السلع. إن بائع قوة العمل يدرك القيمة التبادلية لقوة عمله، ويتخلى عن قيمتها الاستعمالية. إنه لا يستطيع الحصول على إحدى هاتين القيمتين دون أن يهجر الأخرى. فالقيمة الاستعمالية لقوة العمل والعمل نفسه، لم تعد تخص بائعها أكثر مما تخص القيمة الإستعمالية للزيت الذي يبيعه تاجر الزيت. لقد دفع الرأسمالي لقاء قيمة يوم من قوة العمل، وأصبح استعمالها خلال اليوم، يوم العمل، يخصه وحده. إن الظروف التي تجعل تكاليف المحافظة على قوة العمل ليوم واحد تساوي عمل نصف يوم فقط، جاعلة من القيمة التي تخلقها باستعمال طوال اليوم تساوي ضعف قيمتها اليومية –هذه الظروف هي ضربة حظ سعيد للمشتري، ولكنها ليست خطأ يبتلى به البائع على الإطلاق».
«يعمل الشغيل إذن، 12 ساعة، ويغز 20 ليبرة من الخيوط تعادل -/20 شلنا من القطن و -/4 شلنات من المغزل...الخ وتكاليف عمله -/3 شلنات، والمجموع الكلي -/27 شلنا.
ولكن إذا كانت ليبرات من القطن قد امتصت 6 ساعات عمل، فإن العشرين ليبرة تمتص 12 ساعة من العمل كلفتها -/6 شلنات. إن العشرين ليبرة من النسيج تمثل 5 أيام عمل، 4 أيام على هيئة قطن ومغزل..الخ، ويوم واحد على هيئة عمل الحياكة، التعبير بالنقد عن 5 أيام عمل = -/30 شلنا، وبالنتيجة فإن سعر 20 ليبرة من النسيج = -/30 شلنا أو سُدس بنس لليبرة الواحدة كما في السابق. إلا أن المبلغ الإجمالي لقيمة السلع المستثمرة في هذه العملية = -/27 شلنا. إن قيمة المنتوج قد ازدادت إلى ما فوق قيمة السلع الموظفة في إنتاجه بمقدار التسع (1/9). وهكذا تحولت الـ -/27 شلنا إلى -/30. لقد أنتجت قيمة زائد قدرها -/3 شلنات. لقد نجحت الحيلة أخيرا. وتحول النقد إلى رأسمال.»
«إن كافة جوانب المعضلة قد حلت، دون انتهاك قوانين تبادل السلع بأي حال من الأحوال.فالشيء قد بودل بما يساويه. إن الرأسمالي، كمشتر، قد دفع لكل سلعة ما يساوي قيمتها: قطن، مغزل..الخ ثم قوة العمل. وقام بعد ذلك بما يقوم به كل مشتر للسلع. لقد استهلك قيمتها الاستعمالية. إن عملية استهلاك قوة العمل، وهي في نفس الوقت عملية إنتاج لسلعة، أدت إلى إنتاج 20 ليبرة من الخيط قيمتها -/30 شلنا. إن صاحبنا الرأسمالي يعود إلى السوق ليبيع الخيط بـ سُدس بنس لليبرة الواحدة، بدون كسر أعلى أو أدنى من قيمتها. مع هذا فإنه يستخرج من التبادل -/3 شلنات زيادة عما استثمره فيه. إن هذه العملية بأكملها، أي تحول النقد إلى رأسمال، تمر في نطاق التداول، وتتم في ذات الوقت خارج نطاقه. في نطاق التداول كوسيط، لأن شراء قوة العمل من السوق هو الشرط الضروري لتحول النقد إلى رأسمال، وخارج نطاق التداول، لأن التداول ليس إلا بداية عملية إنجاب القيمة للقيمة والتي تتحقق في حقل الإنتاج.. وهكذا:
« كل شيء يسير نحو الأحسن في أحسن العوالم الممكنة» [52] (فولتير-كنديد)
( ص 190 ثم ص 193-195).
وينتقل السيد ماركس من عرض طريقة إنتاج القيمة الزائدة إلى تحليلها. ويتضح، مما سبق، أن جزءا واحدا من رأس المال المستثمر في أي مشروع، يتكفل وحده بالمساهمة في توليد القيمة الزائدة، ذلك هو رأس المال الذي ينفق في شراء قوة العمل.هذا الجزء وحده ينتج قيمة جديدة، أما رأس المال الموظف في المكائن والمواد الخام والفحم..الخ فإنه يعود إلى الظهور، فعلا، في قيمة المنتوج Protano [53]، إنه يصان ويعاد إنتاجه، ولكن دون أن تنجم عنه أية قيمة زائدة. وهذا يدفع السيد ماركس إلى أن يقترح تقسيما جديدا لرأس المال إلى جزئين، الأول: رأس المال الثابت (الدائم) الذي يعاد إنتاجه – إنه الجزء المستثمر في المكائن والمواد الخام وكل الأشياء المساعدة للعمل، والثاني: رأس المال المتغير الذي لا تتم إعادة إنتاجه فحسب، بل هو، وفي نفس الوقت، المنبع المباشر للقيمة الزائدة- إنه الجزء الموظف في شراء قوة العمل، الأجور. يتضح من ذلك أن رأس المال الثابت لا يسهم مباشرة في القيمة الزائدة مهما يكن ضروريا لإنتاجها، إضافة إلى ذلك فإن مقدار رأس المال الثابت المستثمر في أية صناعة ليس له أدنى تأثير في تحديد مقدار القيمة الزائدة التي تنتجها تلك الصناعة [54]. وبالنتيجة، يتوجب علينا أن لا نأخذ بنظر الاعتبار لدى تحديدنا لمعدل القيمة الزائدة. إن معدل القيمة الزائدة لا يتحدد إلا باستخراج نسبة مقدار القيمة الزائدة إلى مقدار رأس المال المستخدم مباشرة في خلقها، وبعبارة أخرى مقدار رأس المال المتغير. على هذا الأساس يحدد السيد ماركس معدل القيمة الزائدة بنسبتها إلى رأس المال المتغير فقط. فإذا كان سعر العمل اليومي يساوي -/3 شلنات، والقيمة الزائدة الناتجة يوميا تساوي -/3 شلنات أيضا، فإن معدل القيمة الزائدة 100%. ويبين ماركس لنا الخطأ الفاحش الذي ينجم عن احتساب رأس المال الثابت، كما هو حاصل، عاملا فعالا في إنتاج القيمة الزائدة عبر مثال السيد ن.ي سينيور عندما دعي أستاذ أكسفورد هذا، الشهير بمعارفه العلمية وأسلوبه الجميل، لزيارة مانشستر عام 1836 لكي يتعلم الاقتصاد السياسي هنا (في محالج القطن) عوضا عن تدريسه في جامعة أو أكسفورد». (ص 224).
يطلق ماركس على وقت العمل الذي يعوض فيه الشغيل عن قيمة قوة عمله اسم: «العمل الضروري»، أما في الوقت الإضافي الذي يشتغله العامل والذي ينتج خلاله القيمة الزائدة فيسميه بـ: «العمل الزائد». والعمل الضروري والعمل الزائد بمجموعهما يشكلان يوم العمل.
إن زمن «العمل الضروري» المطلوب في يوم عمل، قابل للتحديد، إلا أنه لا يمكن تثبيت الزمن المستخدم كعمل زائد بواسطة أي قانون اقتصادي، فقد يكون أطول أو أقصر في ظرف معين. إلا أن العمل الزائد لا يمكن أن يساوي صفرا،لأن دوافع الرأسمالي لاستئجار العمل سوف تلغى حينذاك. كما لا يمكن للمجموع الكلي ليوم العمل أن يبلغ 24 ساعة لأسباب فيزيولوجية. بين يوم عمل مؤلف، لنقل، من 6 ساعات ويوم عمل من 24 ساعة، ثمة مراحل وسيطة عديدة.
إن قوانين تبادل السلع تتطلب أن لا يتجاوز أمد يوم العمل ذلك الحد الذي يتلاءم مع البلى [55] الاعتيادي لقوى الشغيل.ولكن ما هو البلى الاعتيادي؟ كم ساعة من ساعات العمل تتناسب معه؟ هنا تختلف آراء الرأسماليين عن آراء الشغيلة اختلافا واسعا، ولما لم تكن هناك سلطة أعلى من الاثنين، فإن المشكلة تحل بالعنف. إن تاريخ تحديد طول يوم العمل هو تاريخ الصراع بين مجموع الرأسماليين ومجموع الشغيلة، بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة حول حدود يوم العمل».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق