كيف تصنع ايديولوجيتك

ايديولجيتك = مبدأك = افكارك = شخصيتك = مستقبلك

ابحث عن المعنى الغائب هنـــــــــا

الخميس، 19 أغسطس 2010

مذهب ماركس


مذهب ماركس


الماركسية هي منهج افكار ماركس ومذهبه. لقد تابع ماركس واتم على نحو عبقري التيارات الفكرية الرئيسية الثلاثة في القرن التاسع عشر والتي تعزى الى البلدان الثلاثة الاكثر تقدماً في العالم: الفلسفة الكلاسيكية الالمانية والاقتصاد السياسي الكلاسيكي الانجليزي والاشتراكية الفرنسية المرتبطة بالتعاليم الثورية الفرنسية بوجه عام. ان ما تتصف به افكار ماركس من منطق رائع وانسجام تام انما يعترف به له حتى خصومه. وتؤلف افكار ماركس بمجموعها المادية الحديثة والاشتراكية العلمية المعاصرة بوصفها نظرية الحركة العمالية وبرنامجها في جميع البلدان المتمدنة في العالم. كل هذا يحملنا على ان نقدم لعرض المضمون الرئيسي للماركسية، مذهب ماركس الاقتصادي، بلمحة موجزة عن مفهموه للعالم بوجه عام.



المادية الفلسفية

كان ماركس قد اصبح مادياً منذ 1844-1845، اي في الفترة التي تكونت فيها افكاره: لقد كان، بوجه خاص، من اتباع فيورباخ. ولم يقر ماركس بما عند فيورباخ من نقاط ضعف حتى فيما بعد الا من حيث عدم الكفاية في منطق ماديته وشمولها. لقد كان يرى ان الشأن التاريخي العالمي لفيورباخ الذي "شغل دهراً" قائم بالضبط على مقاطعته النهائية لمثالية هيغل وتوكيده للمادية، هذه المادية التي " لم تكن في القرن الثامن عشر وخصوصاً في فرنسا نضالاً ضد المؤسسات السياسية الراهنة و كذلك ضد الدين واللاهوت وحسب بل ايضاً... ضد كل ميتافيزيائية" (بمعنى "التاملات المخمورة" وبخلاف "الفلسفة المعقولة") (كتاب "العائلة المقدسة" في "التركة الادبية")([17]). وكتب ماركس ايضاً: "يرى هيغل ان حركة الفكر، هذه الحركة التي يشخصها ويطلق عليها اسم الفكرة، هي الإله (الخالق، الصانع)... اما انا فاني ارى العكس: ان حركة الفكر ليست الا انعكاساً لحركة المادة منقولة الى دماغ الانسان ومتحولة فيه"("رأس المال" المجلد الاول. توضيح في اخر الطبعة الثانية)([18]). وعلى نحو تام الانسجام مع فلسفة ماركس المادية هذه كتب فريدريك انجلس عند شرحه لها في كتابه "ضد دوهرنغ" الذي قرأه ماركس قبل الطبع يوم كان مخطوطة: "ان وحدة العالم ليست في كيانه... بل في ماديته. وهذه المادية قد اثبتها... تطور طويل وشاق للفلسفة وعلوم الطبيعة... الحركة شكل وجود المادة. لم يوجد قط ولا يمكن ان يوجد ابداً في اي مكان مادة بدون حركة و لا حركة بدون مادة... ولكن اذا تساءلنا... عن ماهية الفكر والمعرفة وعن مصدرهما نجد انهما انتاج الدماغ الانساني وان الانسان نفسه هو نتاج الطبيعة الذي نما وتطور في محيط طبيعي معين ومع هذا المحيط. واذ ذاك يغدو من البداهة ان نتاجات دماغ الانسان التي هي ايضاً عند آخر تحليل نتاجات للطبيعة ليست في تناقض بل في انسجام مع سائر الطبيعة". " لقد كان هيغل مثالياً، اي ان الافكار في دماغه لم تكن في نظره الا صور مجردة،(في الاصل: انعكاسات، يستعمل انجلس احيانا كلمة نسخ) الى هذا الحد او ذاك، عن الاشياء والتطورات الواقعية. بل على العكس من ذلك فالاشياء وتطورها لم تكن في نظر هيغل الا صوراً تعكس الفكرة التي كانت موجودة، ولا اعلم اين، قبل وجود العالم"([19]). وقد كتب انجلس في مؤلفه "لودفيغ فورباخ" الذي عرض افكاره فيه وافكار ماركس حول فلسفة فورباخ، والذي لم يدفعه الى الطبع إلا بعد ان اعاد قراءة المخطوطة القديمة حول هيغل وفورباخ والمفهوم المادي للتاريخ الذي وضعها بالتعاون مع ماركس في 1844- 1845، يقول: "ان المسألة الاساسية العظمى في كل فلسفة ولا سيما الفلسفة الحديثة هي مسألة علاقة الفكر بالكائن او علاقة العقل بالطبيعة... ايهما يسبق الآخر العقل ام الطبيعة... وكان الفلاسفة تبعاً لاجاباتهم على هذا السؤال قد انقسموا الى معسكرين كبيرين: فاولئك الذين كانوا يؤكدون تقدم العقل على الطبيعة ويقبلون على هذا النحو في آخر تحليل بخلق العالم اياً كان نوع هذا الخلق ... الفوا معسكر المثالية. والآخرون الذين كانوا يقررون تقدم الطبيعة انتموا الى مختلف مدارس المادية." وكل مفهوم آخر للمثالية والمادية ـ بالمعنى الفلسفي ـ ليس من شأنه الا خلق البلبلة. وقد نبذ ماركس نبذاً قاطعاً، ليس فقط المثالية المقرونة ابداً الى الدين، بشكل او بآخر، بل نبذ ايضاً وجهة نظر هيوم وكانط المنتشرة خصوصاً في ايامنا هذه، والعجزية، والانتقادية، والمذهب الوضعي([20]) باشكالها المختلفة. اذ انه كان يعتبر هذا النوع من الفلسفة بمثابة تنازل "رجعي" امام المثالية، وفي احسن الاحوال بمثابة "اسلوب جبان يقبل المادية في السر وينكرها في العلن."([21]). بصدد هذا راجعوا رسالة ماركس الى انجلز المؤرخة في 12 كانون الاول/ ديسمبر 1868 التي يتحدث فيها عن محاضرة العالم الطبيعي الشهير توماي هكسلي و يلاحظ فيها ان هذا العالم قد ظهر "مادياً اكثر من العادة" واعترف "باننا ما دمنا نلاحظ فعلاً وما دمنا نفكر فلا نستطيع ان نخرج ابداً من المادية". ثم يتهمه ماركس بانه "فتح باباً سرياً " للعجزية ولنظرية هيوم. ومن المهم خصوصاً ان نسجل رأي ماركس حول العلاقة بين الحرية والضرورة: "ليست الضرورة عمياء الا ما دامت غير مفهومة. الحرية هي فهم الضرورة"(انجلس. "ضد دوهرنغ"). وهذا يعني،اذن،الاعتراف بمطابقة الطبيعة للقوانين الموضوعية، وتحول الضرورة الديالكتيكي الى حرية (كتحول "الشيء بذاته" وغير المدرك ولكنه قابل للادراك الى "شيء لنا"، تحول "جوهر الاشياء"الى "ظاهرات"). ان العيب الاساسي في المادية القديمة وفي جملتها مادية فورباخ (بالاحرى المادية "المبتذلة" عند بوخنر وفوغت وموليشوت) هو في نظر ماركس و انجلس: اولاً ـ ان هذه المادية كانت "في اساسها ميكانيكية" ولم تكن لتاخذ بعين الاعتبار آخر ما توصلت اليه الكيمياء والبيولوجيا (ومن المناسب ان نضيف اليها في ايامنا هذه النظرية الكهربائية للمادة). ثانيا ـ ان المادية القديمة لم تكن تاريخية ولا ديالكتيكية (كانت ميتافيزيقية بمعنى انها ضد الديالكتيكية) ولم تكن تطبق وجهة نظر التطور من جميع نواحيها على نحو منسجم محكم الحلقات الى النهاية. ثالثا ـ انها تفهم "جوهر الانسان" على نحو تجريدي لا بمثابة "مجموعة العلاقات الاجتماعية كافة" (التي يحددها التاريخ على نحو ملموس). وهكذا لم تقم الا "بتفسير" العالم مع ان المقصود كان "تغييره" وبتعبير آخر ان المادية القديمة لم تكن تدرك شأن "النشاط العملي الثوري".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق